الاثنين، 1 نوفمبر 2010

صاحبي

كان قلبه واسع …
بامتداد لوحة البيانو
حتى بنفس اللون
أبيض كتير مرصوص خطوط شبه الصوابع
واسود منغبش ع الجناب
(ما كانش اسود ….
كان رمادي تقيل
وكان رفيع زي خيط)
وكل يوم الصبح أصحى ع النغم
الابيض بياض الثلج ..
                      طازه كالحليب
أسمع شجن .. يفتح ف قلبي بوابات للحزن
وقبل ما ادخل ف البراح الكئيب
ويترشق طينه ف حشايا..
                    يسد قلبي
يعلا النغم ويفوق
ساعة زمن ويشف
ساعة زمن ويروق
يتشد قلبي الحزين
ويجري فيه الدم
… … … …
وحسب مزاج العازف المعجون جنان
مشحون حنان
تنطلق نغمة فرح
نغمة برشاقة بنت مسكونة مرح
مجنونة … تضرب بالقدم شمس النهار
يقع الشعاع فتافيت كتيرة ملونة
تغرز ف قلب الكون
يتبدل القلب العجوز
وترجعه مبتسم
يزغدني زغدة دلع
زغدة بحنية
ما فهاش ولا نقطة ألم أو هم
ويقول لي احلم يا ابني عيش متعتك
احضن نهارنا الجديد
كون مهر جامح عنيد
واوعى الحواجز مهما كترت تهزمك
اوعى الهموم اللي على ناصية طريقك تلمسك
لو لمستك هاتحّزمك .. هاتكتفك
وبعزم ما في الرجل من طاقة
اضرب بحافرك ف التراب
يااااااااه .. كنا صحاب
بكل ما في الكلمة من طاقة
من كل معنى جليل
كان صاحبي لكن
مش كتير برغي معاه
هيبته تلجّمني انكتم
أخفي شقاوتي المخجلة قصاده
واعمل كأني محترم واتلم
واسمع بمتعة غناه
ويخلّص المقطوعة أتسلطن
أصرخ بوجد :
الله
قولها كمان
كان صاحبي من يوم ما اتولدت
كان صاحبي لكن من سنين مرت
سبعة بتمام العد
أنا لسه قاعد يبكي قلبي بصمت
لما بقول صاحبي وبسبقها بـ كان
… … … …
مش عارف اقول كان شكلي ازاي
وانا بصحى اليوم؟
وأنا لسه ف هلوسة الفوقان م النوم
حاسس إحساس مش عارف اقوله
والدنيا معدية ف راسي شريط سينما
وأنا بطل الفيلم
والنغم اللي بقاله سنين ما لمسش وداني
أخيرا جاني
كان شغال ف الخلفية
بخفة دم
… … …
كان أبويا معايا ف الحلم

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

مدونة قوم بينا نمشي: برواز جديد لصورة قديمة

مدونة قوم بينا نمشي: برواز جديد لصورة قديمة

شخبطة طريق (١)



أخيرا بدأ الصيف في الرحيل .. أفتح زجاجي فلا داعي للتكييف .. نسمات هادئة تداعب أنفي .. وكالعادة في إشارة روكسي أطول وأغلس إشارة في القاهرة .. أبدأ في ممارستي هوايتي القديمة .. الطريق المقابل يخلو تماما من السيارات .. مما يشعرني أني جالس على الكورنيش.. متعتي الوحيدة وهوايتي أيضا ملاحظة المشاة .. وإن اختلفت النوعية الآن في الإشارة عنها  في ماسبيرو.
أبدأ لعبة تخيلاتي .. طفلة صغيرة بضفيرتين أراها تهزهما بشكل مرح .. فتدور الضفائر فوق رأسها كمراوح الهليكوبتر .. وما تلبث أن ترتفع أقدامها عن الأرض لتطير!
انتبه لبروز صدر فتاة ترفع رأسها وتمشي منتصبة .. ولسان حالها يقول .. أين العيون لترى .. أبدأ لعبتي فأبدل مكان الصدر لأضعه في الخلف .. ابتسم لرؤيتها مسطحة تماما من الأمام و أربع نتوءات تبرز في ظهرها وتنمو وتزداد ضخامة .. وما يلبث الثقل أن يجعلها تنكفئ على ظهرها..
أغرب ما رأيته – حقيقة بدون تخيل – رجل يمشي في زحام شارع السودان .. متخذا مسارا عجيبا لخطواته .. كأنه يرى سلك سماعة تليفون كبيرة ويسير عليه .. خطواته على شكل دوائر يلف فيها بكامل جسده .. يدور .. فيقطع في أكثر من ضعفي الوقت ما نقطعه في ثوان.. تبسمت أن رحمه الله بهذا المرض النفسي من تخيلاتي وأمراضي النفسية..
بائعة خبز تفترش الطريق .. ولا يوجد أمامها مشتر واحد.. ألقي نظرة على النور الأحمر للإشارة .. وأدندن بيتا كتبته مقدمة لقصيدة طويلة منذ خمسة عشر عاما أو يزيد أيام الدراسة الثانوية.. لكني لم أكتب إلا:
(من يأخذ جسدي المتعب عني؟
يعطيه لبائعة الخبز..
كي تلقي نصفا في النار
وتنام مع النصف الآخر.. )
أرفع صوتي ببيت الشعر القديم وابتسم، هل هي بائعة خبز أم خبازة .. فاحتار في هوية من كنت أريد النوم معها في تلك الأيام!
تقفز في رأسي كل أبياتي المبتورة.. قصائدي التي لم تتم:
(إلا هي.. إلا هبة..
ذات العيون اللاهية..
اللاهبة)
أكنت حينها أتنبأ أني بعد عشرين عاما ستقتحم هبة حياتي؟ تجتاحني ببراءتها اللاهية وحضورها الذي يشعل نيران العشق بي؟
عربة معدنية شبيهة بالكارو تأخذني من تفكيري بهبة .. العربة تحمل ما لا يقل عن 12 شيكارة أسمنت، حوالي 600 كيلوجرام.. مجهزة بيد واحدة في المقدمة ليجرها رجل.. يمشي وذراعاه للخلف ساحبا كل هذا الثقل.. تساءلت عن مسمى هذا العمل .. ماذا نطلق على الرجل؟ شيال؟ ليست هي الكلمة المناسبة .. ياااااااااه ما زال في بلادما من يمتهنون مهنا هي في الأصل لحيوانات الجر .. أستغفر الله ربي.. جسد الرجل نحيل لكنه يعافر ليجر الحمل الثقيل .. رأسه للأمام ناظرا لأعلى .. خلف العربة يمشي شاب أنيق أظنه صاحب البضاعة .. المشتري .. يسرع خطوتين ليساعد الرجل فيدفع العربة من الخلف .. يخف الحمل قليلا عن الرجل ويبدو عليه الامتنان.. ترتفع الكلاكسات خلفي فأرى بداية تحرك السيارات أمامي.. أتحرك ببطء وقبل أن أصل إلي الإشارة.. يزجرني الضوء الأحمر ثانية لأقف.
لا أجد برأسي ألعابا نفسية أخرى .. ازدحمت الضفة الأخري .. أدير الكاسيت فيرتفع الصوت (أمانة يا ريس الغليون ترجعهم يالالالي .. آخد حبيبي في إيدي والباقي غرقهم يا لالالي) أرى الحبية أعلى الجبل تراقب تصاعد الدخان الأسود من مدخنة الجسد المعدني الضحم للسفينة التي سرقت حبيبها لتلقيه في غياهب العمل الشاق .. فتصرخ على ريس المركب أن يعود به .. لكن لماذا يغرق الآخرين؟ هل من شدة لوعتها للفراق لا يهمها من الخلق جميعا إلا هو.. أعود لألاحظ تناقضي شخصيا .. ألست أنا القائل (إلا هي....) !
يدخل الرجل والعربة مجال نظري ثانية .. ينفصل عنه الشاب نافضا يده – ماديا ومعنويا – ويعبر الطريق نحوي حيث محطة الأوتوبيس .. إذن لم يكن صاحب البضاعة .. إذن كانت مجرد مساعدة لهذا المجاهد ساحب العربة .. الله عليك .. شاب بملابس مهندمة نظيفة يساعد من لا يعرفه ولم يكلمه .. لا يخشى أن يراه زميل عمل وهو يدفع عربة .. لا يخشى على هندامه .. هزت هذه اللفتة الإنسانية إحساسي .. تمتلأ الصحف بما لذ من إشعال الفتن .. معركة العوا وبيشوي .. فتنة طائفية في المرج.. يقتل صديقه من أجل 30 جنيها .. أين هذا على أرض الواقع .. هل هي المتناقضات؟  لا أعتقد أن الشاب سأل الرجل عن ديانته أو انتمائه السياسي أو رأيه فيما يجري .. هل هو مع أو ضد .. لم يخطر بباله ولن يخطر أي من هذه التساؤلات.. مازالنا بلطف من الله ورحمة بنا نحمل بعض صفاتنا الإنسانية.. ما زلنا رغم ما يمر بنا من زرع مبادئ الأنامالية والأنانية .. يا رحمن يا كريم .. احمنا ولا تحرمنا من القليل الذي ما زال يجري في دمائنا من رحمة وشفقة وتعاطف..
يلمع اللون الأخضر مبتسما .. أرفع صوت الكاسيت
من بين شقوق الشيش و شقشقت لك
مع شهقة العصافير و زقزقـــــــت لك
نهار جديد انا . . قوم نشوف نعــمليه
انا قلت يا ح تقتلني .. يا ح اقــــــــتلك
عجبي !!!
وأنطلق لأبدأ يوم عمل جديد أدعو الله أن لا يهزمني لأعود لبيتي منتصرا.

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

برواز جديد لصورة قديمة

ايه يا مصطفى.. تسربت سنينك وتساقطت مع اللون الأسود للحيتك .. تاركة شعيراتك الكثيفة بيضاء من غير سوء .. صرت تحمل داخل كهولة جسدك كهولة الروح.. ومازلت تسعى لإقناع نفسك أنك تبدأ الطريق .. يجذبك شعاع الإطراء باسكتشاتك البسيطة .. تحلق منتشيا فرحا وزهوا بتعليق يجاملك به معجب بإحدى لوحاتك .. ايه يا ابن مولانا ومصورنا الأكبر .. أين أنت طيلة عشرين عاما خاصمت فيها حياتك الفرش والألوان .. ارتكنت فيها للجمود واجتذبك سحر السبات الدائم في دوامة اللاحركة.. أو الحركة التى لا تتجاوز القصور الذاتي.. دوامة اعتصرت روحك .. حتى وهي تعتصرك وتمتص أيامك لم تكن فيها فاعلا .. حياة كاملة تركتها وركنت للون رمادي حيادي كئيب .. ماذا يفيدك البدء الأن.. .. وهل تصلح الألوان ما أفسده الدهر؟

جالسا على الأرض كنت .. أرى مصطفى أمامي في المرآة الكبيرة المغلفة لدولاب حجرة النوم.. ولم أكن معتادا على محادثته بصوت مرتفع .. غاية ما أفعله أن أنظر إليه بابتسامة استخفاف حقيقي .. مرددا بلا صوت: من أنت؟ وبالطبع كان يرد لي الابتسامة بأسخف منها ..

لا أعرف بالتحديد ما الذي جعلنى أسمعه اليوم صوتي بنبرة حادة وبحروف واضحة وبلغة عربية فصيحة أضغط عليها جيدا لتظهر …. تندفع كلماتي وتساؤلاتي التي أعلم يقينا أنها ستجعله في جلسته هذه أياما ولن يفكر حتى في النوم .. أعود مستدركا ومصححا معلوماتي عنه .. بل سينام ملء عينيه .. متدثرا بالسكينة نافضا عنه غبار تساؤلاتي المقلقة.. هكذا كان وهكذا سيبقى .. سيستمر

اهتزت ابتسامة شاحبة على وجهه وباغتني :

- تعرف ؟ منذ أسبوعين صادفت زميلك القديم الناقد التشكيلي سعيد كمال .. في لحظة غير محسوبة التقى وجودانا ثانية مصادفة لم أحسب لها .. وجدتني عفويا أصافحه وأذكره بأيامنا معا ..كان كمن لا يعرفني .. اعتصر جبينه بحركة تمثيلية مسرحية حاول أن تبدو طبيعة…..

صمت مصطفي قليلا فأسرعت بمجاراته قائلا :

- حاول أن يتذكر؟! كل تلك الأيام.. تلك النهارات التي قضيناها سيرا على الأقدام! قضاءنا وقت ما بين المغرب والعشاء على زهرة البستان… طوافنا بالليالي على ندوات متفرقة بالمحافظات القريبة من القاهرة.. حتى أحياء القاهرة أرهقناها وأرهقت أزقتها أقدامنا .. مراكز الشباب صالات الفن التشكيلي.. كان يحاول أن يتذكر كل هذا؟!

قهقه وأدار وجهه مستلقيا على ظهره وعاقدا كفيه وسادة تحت رأسه:

- خبط صاحبك رأسه بكفه كمن تذكر تلك الأيام ولم يوضح أنه تذكرني شخصيا.. علق بكلمات قليلة موضحا أن ما قمت به أنا من زواج وفتح بيت جديد والسعي وراء لقمة العيش كل هذا صار بطولة في أيامنا هذه.. كان كمن يؤنبني ويذكرني بأني ابتعدت طائعا زاهدا فيما منحني الله من موهبة.

صحت بمصطفى أحاول إفاقته :

- لكن هذا ما كان .. اخترت طريقك بعيدا عن لوحاتك.

ازدادت المرارة بكلماته واحتد علي:

- اختيار؟ عن أي اختيار تتكلم … وأي بطولة فيما فعلت .. هل صار الزواج بطولة؟ .. كان كلامه مجرد تلغراف مواساة .. تعزية إن شئت الدقة… هل السعي وسط القطيع صار مجدا.. إن ساروا يمينا كنت معهم.. شمالا سبقتهم.. أي معنى لتحملك ما تثيره حوافر القطيع من غبار لزج يلتصق بأيامك فتمشي.. محبطا تمشي… نائما مستيقظا تمشي..

- إذن لم يكن اختيارك؟.

- لم أزهد يوما عشقي لامتزاج الألوان لتلد ذلك الطفل الإلهي المدهش .. الإبداع .. لم تزهد أصابعي احتضان الفرشاة .. كنت أحاول حين يغلبني شبقي وشوقي أن أراودها عن نفسها فتأبي.. كانت كفتاة مغترة بجمالها تهب نفسها لمن تريده لا من يحترق شوقا لها.. أنت أعلم الناس بما كنت أحمله لها.

- أذكر قضاءك الساعات في مرسم والدك..

- كنت أحسد أبي .. يفتح باب المرسم منهكا .. يدعوني لأرى لوحة جديدة لم تجف ألوانها .. أقف أمامها _ أنا ناقده الأول _ فيراقب حركة عيني على اللوحة محاولا أن يستشف انطباعي الأول.. كان رحمه الله كطفل أنهي فروضه المدرسية وينتظر قطعة سكر .. عشت سنينا وأنا قطعة سكره.. وقبل أن أفتح فمي مبديا رأيي يقاطعني أين لوحاتك؟ لماذا توقفت عن اقتباس قطعة من روحك وبثها في عمل جديد … يشعر بالمرارة تأكل روحي فيعود طالبا رأيي .. استمرأت اللعبة معه .. وفضلا عن ذلك أشاركه قبل ميعاد معرضه وضع برواز يتناسب واللوحة.. سنفرة .. دهان .. أعيد ترتيب المرسم .. أشد قطعة جديدة من التوال وأرص أنابيب الألوان والفرش.. أتمم على الألوان لأشترى ما فرغ منها .. كل تلك السنوات لم تدعوني الألوان يوما لدفء حضنها.

- أحاول أن أفهمك.

- أنا لا أفهمني … لا أستطيع وصف ما فعله بي لقائي بصديقك القديم .. رأيت الألوان تقفز لتسكن بين أصابعي .. ترتمى على سطح التوال الأبيض لتسطع أقمارا وشموسا .. ينير وهجها روحي ويبعث الدفء في نفسي .. أحاسيس كنت أظنها ماتت ودفنت بغير رجعة.

- جميل .. لم تخل إذن مصادفتك له من فائدة..

- جاهدا كنت أحاول اقتناص فرصة انبعاث الوهج ثانية .. غريق يلتمس لوحا خشبيا.. أرسلت لصاحبك إحدى اللوحات .. بل اثنتين.. وانتظرت طويلا رده الذي لم أتلقاه.

- ولم تحاول مقابلته ؟ قد يكون رغب في أن تحاول مرارا أن تنال شرف لقاءه.

- أوضحت له في رسالة أني لا أؤمل أن يكتب دراسة نقدية .. كان غاية سعيي تعليقا صغيرا ممن يعد الآن متخصصا ..

- ولماذا لم تفترض أنه احتراما لعشرة قديمة لم يرد .. قد يكون عدم الرد أحيانا ردا معبرا.

_ حتى هذا أوضحته له.. أن لا يقلق .. فإن لم يلق عملي قبولا لديه .. عدت ثانية للمشي مع رفاقي أفراد قطيعي العملي .. نرسم غلاف كتاب ذي توزيع محدود … نصمم ملصقا دعائيا .. ونسير .. نمشي .. محبطين نمشي .. منتشين … نائمين …..

صمت قليلا .. زفر مخرجا كما مدهشا من الهواء .. واستمر الصمت.

إيه يا مصطفى .. كانت تكفيني وتكفيك تلك الابتسامة المستخفة .. سؤالي من أنت … ستهجر ألوانك ثانية متعللا بأنها من تركك .. إيه يا مصطفي.. أنت نفسك لم تستطع تحمل الوهج الساطع منك .. يا ابن معلمنا الكبير .. أناشدك الله ألا تيــــ……

قاطعتني ابتسامته المستسلمة .. المستخفة … بحثت عن سجائري مد يده وأشعل معي واحدة .. حمل جسده بصعوبة وارتمي نائما ينفث دخانه في الهواء.

الأحد، 3 أكتوبر 2010

وجوه النرد الستة


1 __________________________
عدت للعمل بعد يوم واحد أجازة مرضية .. أحمل فوق رأسي مسئولية أي تأخير حدث بالأمس .. مجموعنا لا يتعدى السبعة .. أنا الأكبر والأقدم والمسئول عنهم .. مصادفة وقعت عيناي على كارت شخصي لمحيي الشوادفي أحدث أفراد المجموعة وأعلاهم صوتا رغم كبر سنه.. اسمه يتوسط الكارت وتحته بخط منمق (رئيس القسم) !! لم أتعجب من سرقة مسماي الوظيفي .. فأنا أدرى الناس بمحيي وشخصيته الزلقة المتسلقة.. لكني لم أستوعب كيف استطاع في يوم واحد وحيد أن يطبع هذه الكروت!

2 __________________________
نظر إلى الجنيهات القليلة على الكوميدينو .. وخرج .. لم يحمل منها شيئا .. على ناصية الشارع ألقى التحية على صاحب محل البقالة .. دخل بثقة .. وضع يديه يقلب جيوبه.. وتراجع خارجا …. بادره البائع بالسؤال عن طلبه… بلع مرارة بحلقه واعتذر بكبرياء زائف وعدم اكتراث : 
- نسيت النقود.  
رد البائع بثقة : 
- ولا يهمك .. حاسبني في أي وقت.

3 __________________________
تم منع التدخين داخل المبنى .. تعمد في كل مرة يدخل المدير عليهم أن يضع سيجارة في فمه لعدة دقائق .. حركة تشعره بالرضا عن نفسه.. بالعتراض الصامت على الإدارة.. وبعد فترة يخرج ليشعلها بالخارج.. 
ينبهه زميله: هاتنسى مرة وتولعها هنا.  
يبتسم ويشعل السيجارة بالخارج.

4 __________________________
أقف وسط الدائرة .. أنا الأكبر  .. تربطني بهم خيوط حريرية شبه شفافة.. ترتخي حينا..  وأحيانا يؤلمني شدة جذبها .. بمرور الأيام نمت بعض الزوائد على جسمي وكنت فرحا بها .. أحسها درعا يحميني ويملأ نفسي زهوا حين تنعكس أشعة الشمس عليها.. مع الوقت ازدادت صلابة زوائدي ورهافة أطرافها .. صارت حادة قاطعة.. ومع كل التفافة مني ينقطع أحد الخيوط الحريرية… الأن توحشت زوائدي وانغرست بالأرض فشلت حركتي تماما حتي كادت تمنعني من الاتفات.. حمدت الله أن الزوائد الحادة لن تتسبب في قطع خيط آخر.. 
نظرت حولي مبتهجا… لم أجدني متصلا بأي شيء يتهدده القطع.

5 _________________________
راتب شهري ثمانمائة جنيه… لا يسمن ولا يغني…حين فقدت الأمل في أي تحسن انقطعت عن العمل ونمت بالمنزل .. في مكالمة هاتفية طلب مقابلتي.. أخبرته أني وجدت مكانا آخر.. وأخبرته أن راتبي صار ألفي جنيه .. وأخبرته  …. وتهلل وجهه كأنه فرح لي.. عرض أن أعود للعمل معه مساء.. نصف الوقت فقط بكل الراتب السابق ثمانمائة جنيه… تصنعت التفكير .. تصنعت عدم حاجتي لعمل إضافي …. وأخيرا قلت : نخليهم ألف؟ ولم أندهش حين وافق.

6 ________________________
مختفيا خلف سيارة أمام بيتها وقف… فكر أن يفاجئها قائلا : منذ تركتني بالأمس وأنا واقف هنا… البيت في رأس مثلث عند تقاطع شارعين .. خشي أن تذهب من أحدهما دون أن يراها.. حين لمحته أشارت لأول سيارة أجرة وانطلقت وحدها.. في رسالة نصية قصيرة لامت وقوفه أمام المنزل وأنهت علاقة دامت ثلاثة أعوام!


لب بطيخ






شمس الشتاء الدافئة تتسحب لتقف في منتصف الحجرة .. أزيح الكليم لأعري البلاط ة .. أضع ما معي من بلي على شق صفير بين بلاطتين .. يستحثني أخي الصغير للانتهاء ليقذف كرته الزجاجية الصغيرة .. رمية واحدة  ويتناثر البلي معلنا هزيمتي.
يعلو تهليل الصغير.. يرتفع صرلخه فرحا بالفوز..  فاليوم جمعة لم أذهب لمدرستي  وأبي خرج مبكرا للعمل.. أجازة أبي يوم الأحد يوم صدور العدد الجديد من المجلة.. وحدنا بالبيت الأخت الكبرى نائمة وأمي خرجت لمشوار تسوقها اليومي.. فلماذا لا يرتفع تهليله؟!
طرقات عالية على باب الشقة .. أقفز مسابقا أخي .. أفتح الباب لأجد أخي الصغير بين قدمي يردد كل ما أقوله للرجلين الواقفين بالباب .. أمامهما كرتونة كبيرة مرسوم على أحد جوانبها بوتاجاز كبير..
- بيت الأستاذ سعيد محرم؟
فأرد ومعي أخي كأنه صدى
- أيوة .. أنا ابنه.
- هو موجود؟
- لأ .. في الشغل.
- طيب انده لي حد كبير.
- أختي الكبيرة مش كبيرة.
يغمزني أخي بكوعه :
- لأ كبيرة ..
فيبتسم الرجل :
- انده لها.
تتسلم أختي الكبرى البوتاجاز وتكتب اسمها على ورقة صغيرة في يد الرجل.. وتطلب منه أن يضعه لنا في المطبخ.. نتقافز أنا وأخي فرحين بالجهاز الجديد .. العضو الجديد بالأسرة .. يشعل الرجل إحدى العيون ليطمأننا على سلامة التركيب.. وينبهنا محذرا ألا نلمسه حتي تحضر أمي أو أبي.
يسأل أخي الرجل :
- هو احنا كده هانرمي الوابور؟
يقهقه الرجل :
- براحتكم بقى.
تختلف فرحتي عن الجميع  .. فأنا مسئول المشاوير في البيت وإحدى مهامي إصلاح وابور الجاز حيث أقضي أغلب نهاراتي عند السمكري منتظرا دوري بين العديد من الأطفال والنساء الجالسات على الدكة الخشبية السوداء المشبعة برائحة الجاز.. وحين أجد مكانا لأجلس يأتي وابور آخر بيد سيدة أخرى فأضطر للوقوف لتجلس مكاني..
الابتسامة لا تفارق وجه أختي .. التي أسرعت بتوزيع المهام علينا.. حملنا الترابيزة لنضعها بالصالة.. وكانت المعضلة حينها كيف نفاجأ أمي حين عودتها؟ اقترحت أن نغطيه بمفرش الترابيزة القديمة.. فرحنا بالفكرة وتم التنفيذ بسرعة  وسهولة  ودقة غريبة علينا.
ناديت أخي لنعود للبلي .. عادت أمي فخطفت شنطة الخضار من يدها ووضعتها على الترابيزة في الصالة .. لنفاجأ بها متعجبة:
- إيه اللي جاب البتاعة دي هنا؟! هما جابوا البوتاجاز؟
لم نتوقع أن تكون المفاجأة لنا .. نظرت لأختي وانفجرنا ضاحكين.. باظت الحكاية.. لم نعمل حساب الترابيزة ولا لكون أمي بالتأكيد تعرف بقدوم البوتاجاز اليوم.
نشطنا جميعا نساعدها في تحضير الغذاء .. المرة الأولى لوضع حلتي الأرز والخضار معا لينضجا في وقت واحد.. وتبقى عين ثالثة صغيرة لعمل القهوة لأبي في الصباح .. لتختفي أيضا من حياتي السبرتاية التي طلعت عيني في تصليح رجولها الصغيرة الضعيفة .
اقتربت الساعة الثالثة .. أقفز للبلكونة منتظرا قدوم أبي اليومي  .. يخرج في الثانية والنصف من المجلة في وسط البلد ليكون بالبيت في الساعة الثالثة دون لحظة تأخير..
أتابع طقوسه التي نادرا ما تتغير.. حمامه اليومي…  يدخل بملابس الخروج ليهل علينا منتعشا بهدوم البيت .. نتقافز حول أمي جيئة وذهابا منها إلى السفرة حاملين أطباق الغدا .. نرصها باحتراس على السفرة .. أول وجباتنا المطهية على البوتاجاز.. وقبل  أن ننتهي يصرخ أخي :
- عاوز بطيخ. أحاول إلهاءه : 
- بطيخ إيه يا ابني؟ إحنا في الشتا!
تنظر لي أمي بلوم :
- انزل عشان خاطر أخوك .. هاتلاقي عند عمك عبد الفضيل.
فينزل مندوب المشتريات - أنا - لأشتريها .. أرفعها على صدري لتتناولها أمي وأجري لإحضار الفوطة الخضراء .. تغمرها أمي في الماء وتضعها على البطيخة جوار شباك المطبخ ليبردها تيار الهواء.
لكل فترة في اليوم مذاقها المختلف .. ساعاتها الممتدة الطويلة ولكل وقت منها طقوسه المختلفة المميزة .. قضيت فترة المغربية نائما .. هزات يد أخي توقظني ..
- اصحى بقى .. مش هاتلعب معايا؟
- لأ مش لاعب..
أرد متكاسلا فيقول بخبث:
- محمود هايلعب معانا هو وبثينة بنت خاله.
أقفز نافضا اللحاف والكسل : هما فين؟
- قدام البيت.
تمضي ساعة كاملة لم أشعر بها وأنا جالس بجوار بثينة على السلم.. وأخي ومحمود يقفزون حولنا ببليهم ودوشتهم .. تسمع أمي صراخ أخي وتهليله فيعلو صوتها لندخل.
أبي مستيقظ يفرد جسده على السرير .. يعيد قراءة الجرائد .. وثلاثتنا ملتفون حول أمي على الأرض.. أحاول سند ظهري على الحائط فأجد الكليم صغيرا وجسدي كله على البلاط .. فتحذرني أمي من برودة البلاط .. لأعود مبتعدا عن البلاط..
شيء هام لا أدريه أفتقده في هذه اللمة ولا أدري ما هو .. الجو بارد .. هجم الشتاء فجأة فجعل البلاط يشع ثلجا .. أتحمل وجع ظهري ولا أتحمل برودة البلاط.
يصرخ الصغير :
هو لب البطيخ فين؟
ويجري للمطبخ باحثا .. يأتي به مغسولا مفروشا على صينية ليجف.. يطلب من أمي تحميصه .. تنظر أمي تجاهي بابتسامة :
- قوم هاته.
- هو إيه؟
- الوابور.
أقفز للحمام .. منزويا في الركن أجده .. أسحبه بلطف .. أضع قليلا من الجاز فوقه .. أشعل عود الكبريت .. ليسخن وأحمله ليتوسط جلستنا .. أسرع لأحضر لوح الصاج الصغير وأضعه فوقه .. ترش أمي بعض الملح على اللب النيء وتفرده على الصاج .. ينتشر وشيش الوابور حاملا الدفء للحجرة .. طرقعة حبات اللب فوق النار .. رائحة التحميص الشهية تؤكد شعورنا بالدفء.. تقلب أمي اللب وتنظر لأبي في مودة :
- تاخد شوية لب؟
يعتدل متكئا على كوعه :
- هاتي.

صفيح وزجاج .. رمضان زماااان (مسودة فقط للاحتفاظ بالذكرى)






ليلة أول رمضان … المدينة شبه خالية .. فروع زينة قليلة تطل علينا باستحياء… أسأل زياد ابني (11 سنة)  : ما شفتش حد بتاع فول. يجاوبني : يا عم أكيد هانلاقي بس نكمل آخر الشارع.
اداعبه : على أيامك ما فيش إحساس برمضان زي زمان.. يتلامض مجاوبا : إنت بس عشان كبير .. بس الاحساس ده أنا حاسسه.. شامم ريحة رمضان.. وعلى فكرة بقى فيه حاجات كتيرة انتوا عشان كبرتوا ما بتشوفوهاش بس احنا يا عيال بنبقى عارفينها
أتعجب هل تبقى من رائحة زمان شيء يشمه هو؟ إن كانت الرائحة القديمة أو ما تبقى منها كنت استطعت شمها ..  أم أنها رائحة جديدة لا تستطيع أنوفنا - التي تربت على نكهة رمضان الأصيلة أن تدركها؟
تنظيف الشارع:
يفتح شهيتي للحكي .. استعدادنا لرمضان يبدأ قبل الرؤية بأيام .. لم يكن الشارع ايامها مسفلتا .. الشباب الأكبر سنا ينظمونا في مجموعات .. فجأة تجد فؤوسا وحاجات نشيل فيها التراب مش فاكر اسمها .. كنت استغرب ونحن في حي شبرا من أين تأتي هذه الفؤوس.. مجموعة مهمتها تسوية التراب وردم الحفر .. وأخرى تجمع الأوراق والقمامة.. بعدها يرش الشارع كله بالماء…
الزينة والإضاءة:
المجموعة الأصغر سنا وأنا على رأسها نمر على كل البيوت بيت بيت نلم فلوس الزينة والإضاءة والفوانيس… طبعا ما كانش فيه حاجة بنشتريها جاهزة زي الأيام دي .. كنا نتجمع عيال البيت كله ونجيب الكراريس القديمة وهات يا تقطيع بالمقصات على شكل بناطيل .. حتي الصمغ كنا بنعمله يدوي شوية نشا ف مية ع النار يبقوا صمغ آخر متنانة .. واللي ما يقدرش يجيب نشا كان يعجن شوية دقيق بميه يأدوا نفس الغرض.. وكأننا بننشر البناطيل الورق علي الخيط - كان لكل تفصيلة صغيرة طقوسها وطريقتها الخاصة - الخيط كام (شلة) خيط منجد من عند العطار .. ونستغل أذرع العيال الأصغر سنا في فك الخيط ولفه من جديد علي قطع خشبية صغيرة ..
نحسب كم متر سلك كهربا سنحتاج وعدد اللمبات .. كانت هذه مسئولية محمد سعيد أعلمنا بموضوع الكهربا وتوصيلاتها .. إن كان محصولنا من التبرعات كبيرا صنعنا خطا من اللمبات طويلا على شكل زيجزاج .. وإن لم يكن اكتفينا بخط واح بطول الشارع تحمله خيوط الدوبارة القوية
كان التنافس بين الشوارع كبيرا .. كنا نباهي بكثرة فروع الزينة - كانت كلها باللون الأبيض لأوراق الكراريس - أما الفوانيس فأعترف بفشلنا الدائم (كشارع) في عمل فانوس تحفة .. كنا نحضر قفص من الفكهاني ونغطيه بورق السلوفان الملون وبعض العصيان من قفص آخر لعمل المئذنة .. ولمبة صغيرة تنيره ليلا..
فاكر مرة صحيت الصبح ووقفت في البلكونة  لقيت ولد من شارع تاني ماسك عصاية طويلة وبيحاول قطع فروع الزينة .. قبل أن أفكر في طريقة لمنعه كان عم سمير السباك - عليه رحمة الله - يشير لي أن أسكت ويتسحب من خلف الولد ليرن قلم على قفا الولد الذي طار من المفاجاة والالم
 ما قبل الإفطار:
حين يؤذن العصر .. ويشتد بنا العطش والجوع .. ويمتلأ البيت بروائح السمن والصواني في فرن البوتاجاز .. كانت أمي لانشغالها في المطبخ تنادي صارخة : تعال الحق الصينية اللي في الفرن .. درجة حرارة المطبخ لا تطاق .. تهب حرارة الفرن كلها في وجهي : لسه وشها ما احمرش .. أنا نازل الشارع .. لا تجد بدا من الموافقة
نذهب لنادي الشباب القريب .. لنشجع فريق شارعنا .. النهاردة فريقنا هايقابل فريق درب خليل .. يا الله ربنا يستر .. سواء انتصرنا أو انهزمنا نعرف مقدما أن المعركة بين الشارعين قادمة لا محالة .. كان مشجعيهم يتصفون بالغباء الرياضي .. فننصرف قبل نهاية الماتش محافظين على هدومنا من الاتساخ واجسادنا من الجروح .. لو خدنا العلقة منهم في النادي هانرجع ناخد علقة تانية من اهلنا عشان خدنا العلقة الاولانية؟
نرجع قبل الافطار بنصف ساعة لأداء مهمة شراء المخللات .. وتوزيع (شفاشق) الثلج على جيراننا ممن لا يملكون ثلاجة.. كانت الثلاجة في منزل كأنها ملكا لباقي البيوت .. اتذكر لبختي الدائمة حين يخبط ولد صغير على بابنا فأنادي أمي : ماما .. علي ابن ام سمير عايز الفرخة بتاعتهم من التلاجة.. فتجاوبني:
- اسأله كان الكيس لونه إيه؟
أفتح الفريزر لأتوه في زحمة ألوان أكياس اللحوم والفراخ وأشياء أخرى لا أعرف كنهها وأرجع بالكيس الأخضر لأسأله
- هي دي؟
أذان المغرب:
أطول دقائق تلك التي تسبق الأدان .. أمسك كوب الخشاف من قبل الأذان بفترة .. الله أكبر.. ينصحني أخي الأصغر بالانتظار حتى يتم المؤذن الشهادتين .. يوضح لي أبي رحمه الله أن لا داعي للانتظار فقد دخل الوقت عند بداية اللأذان .. يعني أشرب؟! .. اشرب.
ابتهالات النقشبندي وفوازير آمال فهمي ومونولوج كوميدي اعتقد كان لسيد الملاح.. اتذكر انه كان بنفس اللحن كل يوم مع تغيير الكلمات : قل لا تتزوج اثنينِ.. دا انا من زوجة طلعت عيني.. كانت موضوعات قليلة نحفظها كلنا .. أتذكر رحلة وانا في الصف الاول الاعدادي للفيوم غني لنا مدرس اللغة العربية كلمات من تأليفه على نفس اللحن : ما أجمل رحل الفيومِ  هي أحلى من الديك الرومي .. ما أجمل رحل الفيومِ .. وحتى اليوم لم أعرف لماذا جمع كلمة رحلة ليجعلها رحل وليس رحلات…
بعد الفطار :
الفوازير بطولة نيللي وكلمات العظيم صلاح جاهين .. وفي أعوام تاية فطوطة وسمير غانم .. ثم النزول لصلاة التراويح .. عربية حمص الشام أمام الجامع .. صلاة التراويح نكتفى كل يوم بصلاة أربع ركعات عشاء ونترك آباءنا في الجامع لنعود للفوانيس الزجاجية  كنا لا نترك أحدا على المحطة القريبة في الميدان دون أن نغني له : ادونا العادة رب خليكوا ..  قطعة قماش نطول بيها ايد الفانوس لانها كانت بتسخن من الشمعة … نجمع القروش القليلة لنشترى شمعا للفانوس استعدادا لجولة الغد .
 نظل حتى السحور نلعب في الشارع تريك ترك وبيت مين ده؟ والسبع طوبات .. أغرب لعبة فيهم كانت بيت مين ده .. نحمل أحدنا وهو مغمض العينين ممدا فوق أكتافنا ونلف به الشارع ونقترب من حائط أحد البيوت ونلصق قدمه بها لنسأله بيت مين ده؟ كان عليه أن يخمن بحسب المشوار وعدد اللفات المكان الذي وقفنا به عنده! العجيب أن أكثر من ثلاثة أرباع الاجابات كانت صحيحة.. وحين يخطئ ينزل لنرفع غيره.
المسحراتي :
كنا بنبقى مازلنا في الشارع ونلقن المسحراتي أسماءنا لينده بها _ بيصحينا واحنا واقفين جنبه.. كان يأتي دائما مبكرا ..
هل كنا كأطفال أكثر سعادة من أطفال اليوم .. أم أنهم أكثر حظا بالكمبيوتر وألعاب النت والفيسبوك؟
أنتظر إجابة …………..

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

الصوت المكتوم


تعمل إيه؟؟
لو تصحى الصبح تلاقي نفسك
مش فارقة معاك نفسك
ولا انت عايش ولا نِفسك
حتى تخرّج نَفَسَك
صوتك مكتوووووووووووم
وشفايفك .. قفلاها مخالب بوم
ووجودك كله عدم .. ملموس .. محسوس .. محتوم
هاتقول لي أدوّر على نفسي!
هاضحك بمرارة واقول لك:
المسألة .. إن انا أصلا مش عايز أحاول
دول مش حبة اقلام ضاعوا
وللا ميدالية مفاتيح
ولا ورقة كراس…
شخبطت عليها حياتك..
وشوية ووقعت جنب الترابيزة.
ولا أكلة لذيذة…
         هاتوجع بطنك
_ بعد ما كانت هايقطعها الجوع_

وتقول معلش
وتشد لحافك م البرد
تدوّر على حضن مراتك
تلقاها بتاكل رز ملايكة ومش عايزة تقوم.
- دا انت مكسل حتى تهش البوم من على وشك!
- بتقول لي مكسل؟!
أنا لو كنت مكسل.. معناها …
       اني هاكون فكرت أقوم
             أو أحرك إيدي بنفسي
طب فين نفسي عشان أحرك إيدي؟
- واضح انك هاتجنني معاك
وهاتكئبني.
- لا يا عم بلاش
خليك قاعد مش عايز منك ولا كلمة
ولا صوت مسموع
ما انا كنت ف حالي
 انت اللي دخلت
وفتحت معايا الموضوع!


http://oombenanemshy.maktoobblog.com/123/الصوت-المكتوم/

الأحد، 8 أغسطس 2010

فليشر

كتير بنكون عاملين زي النور الباهت … روحنا مطفية .. حتى لو قعدنا مع ناس بتتكلم ف قضايا كبيرة تهمنا.. لكن ما بنلاقيش جوانا القوة.. الكهربا اللي تخلينا ننور ونقول رأينا بوضوح .. بيبقى الكلام جوانا بس مش عايزين نقوله.. معرفش ليه وامتى بتجيلي الحالة دي .. بس بتيجي.. وبتبقي الدنيا كلها مش فارقة .. يعنى هو كلامي اللي هايعدل الكون .. ما احنا ياما بنرغي وياما كل الناس بتقول….
ساعات تانية ببقي منور والكهربا عندي كأني قاعد فوق سد أسوان.. كل كلمة أو موضوع نقاش ليه عندي رد مقنع .. الأكثر إن أنا اللي بفتح النقاشات واعلق عليها بكل حماس .. وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ولازم نتغير ويكون لينا بصمة وتأثير على الحياة حوالينا.. لازم اللي يعدي بعدي ف السكة يشاور على علامة سبتها ويقول : مر من هنا رجل عظيم!! عمل حاجة.. إيه هي الحاجة دي؟ معرفش بس لازم نعمل حاجة…

ساعات تالتة ببقى هادي واتدخل بس ف الوقت اللي الاقى فيه اللي بيتكلم قدامي تجاوز أو قال حاجة شاذة قوي .. ما ينفعش تعدى والناس تصدقها .. ساعتها بحس اني عامل زي لمبة الاتجاهات ف العربية (الفليشر) بنور واطفي بس عشان انبه اللي قدامي لحاجة ضرورية..

في كل حالاتي دي ببقي بقنع نفسي ان الحالة اللي انا فيها هي أنسب الحالات .. لكن ف العموم أظن إني بحب حالة النور المتقطع جدا الفليشر… حاجة كده زي التيار المتردد اللي خدناه زمان ف الفيزيا .. هو اللي على فكرة مشغل الدنيا ومنورها…






الأحد، 4 يوليو 2010

حواديت

المنظر .. ليل خارجي

مطلع كوبري

وحتة من الكورنيش والنيل

ضوء خافت يتمرجح على سطح الميه

وما فيش مانع .. يظهر مركب صياد

قاعدة مراته بتغسل حلة كبيرة ....

                                   أو لِبس

وما فيش مانع برضه

تظهر بنت ف وسط المركب

بتكلم واحد ف التليفون

أو ماسكة ف إيدها مراية وبتسرّح

أو واحد ماسك سنارة ..

وعامل نفسه بيصطاد

يتنقل المشهد على ضهر الواد والبنت ببطء

بادئين حدوتة عشق بسيطة

هوّ ... غاية تفكيره

إنه يحاول يسرق بوسة أو حضن وبس

هيّ .. آديها بتتفسح .. وبتهرب من خنقة ليل وحدتها

أو يمكن حلمها يتحقق

وتقدم له ف بيتهم

- لما هاييجي يفاتح أبوها -

قزازة بيبس

بعد شوية ...

لما المصروف يخلص من جيبه..

ع الحاجة الساقعة وع الترمس والتاكس

لما يقول:

هاقدم نفسي لابوكي ازاي..

                          وانا مش شغال

هاتقول له انا جاي لي عريس

- مافيش تجديد ف النًص –

من أيام السينما الأبيض واسود

                           نفس الجملة بتتقال





* * *




نفس المنظر

بس الضوء هايقل شوية

وتبان حتة من التمثال

ع القاعدة.. واحد قاعد

بيمثل دور الشحات

دقنه بتلمع وهدومه نضيفة

- ناقص بس تشم البارفان –

ما هي لو ريحته الوحشة هاتظهر

سكان الحتت الراقية

هايتقرفوا يمدوا له ايديهم

هنا تظهر من آخر السكة..

عربية حديثة

تنزل بنوتة جميلة وتديله فلوس

وبواقي الوجبة الجاهزة

والباقي ف كوباية الموكّا

يتكرر نفس المشهد ببنات أو ستات تانيين

بس شعار المطعم يتغير

سلينترو .. مؤمن .. تكّا

والشحات بعد ما تخلص وردِيته

هايشاور للتاكس وهايقوم





* * *




مشهد تالت

والمنظر هو المنظر

وانا راجع م الشغل

بمثل إني موظف ف وكالة كبيرة

بمدير عامل نفسه بيفهم ومهم

وحتة واد أراجوز

عامل نفسه رئيس القسم

تمثيله ضعيف

بس المخرج عايزه يمثل!!

وانا حاطط إيدي ف جيبي

وماشي بدخن

على وشي....

مش عارف أحط التعبير الصح

فرحان وللا تعيس

هايخف الضوء خالص

والمشهد يخلص..

وانا متشعبط ف الأوتوبيس





* * *



مشهد رابع .. خامس .. سادس

ماحدش زهقان م العد

والمخرج شايل ايده

أحيانا نايم ع الكرسي

أحيانا .. راح يعمل عملية

وكتير مش موجود

مش عارف حتى يمثل دور المحرج

... اللي بجد

وسايبنا نألف حركاتنا

وكتير بنحاول نسرق كاميرات بعض

بيقولوا ساعات..

إن المخرج ساب العرض خلاص

وواحد من طقم الإخراج

بيحضر حدوتة جديدة

بس مؤكد هايسيب طقم التمثيل

من غير تغيير

نفس الأدوار والأشخاص والكومبارس

بس هايحصل تغيير جامد في مكان ما

ممكن دار العرض










الثلاثاء، 8 يونيو 2010

أنتيكة



ما تفوق بقى
واقلع قناع المهزلة
مش هي دي
ولا عمرها
هاتكون حكاية مذهلة
كان حلمها ترسم على قناعك خطوط
ازرق ودهبي وكينج توت
آخرتها هاتحطك هناك
على حيطة زاهية ف مخها
برواز .. حكاية عشق مرت وانتهت
ف الزحمة لو كان لك مكان
أنتيكة وسط قلوب رخام
كانوا ف يوم عشاق لها
 اكبر بقى واعقل يالا
خلي ملامحك ترسمك
انسان بضحكه مجلجله
اضحك عليك
وع السنين الرمل من بين الصوابع تنفلت
أو حتى ابكي م الجروح
مش مشكلة
هاتلاقي نفسك في الشوارع والدقايق
ف كل حتة وكل وقت
مستنياك ترجع لها

الأحد، 6 يونيو 2010

صداع آخر (1)





  تغيرت الحال خلال السنوات الأخيرة .. اختفت الحديقة الصغيرة من أمام المقهى.. كانت المتنفس الوحيد لعيوننا قبل أن تحتلها مجموعة ترابيزات لمطعم الكشري المجاور.. حلت زجاجات الشطة والدقة مكان الشجيرات الصغيرة.. وعلى الأرض تناثرت أغطية بيضاء لعلب الأكل..  جلست بالقرب من النصبة في عمق المكان أحاول أن أنسى الصورة الجديدة للحديقة .. في محاولة لأن أعيش زمني الفائت.. أخرجت من عقلي ببطء تلك الصورة الهادئة للمكان وأحطته بها.. عادة قديمة قدم نفسي.. حين أضطر للتواجد في حيز لا أريده ولا أحتمله.. أدخل إلى أعماق عقلي وأخرج الصورة أغمض عيني وألف بها المكان.. ولم أسلم من مشاكسة طارق يوما ووصفي بمدمن الهروب من الواقع..
  صورة طارق يس لم تتركني منذ أمس .. آخر ما أغلقت عليه عيني وأول ما فتحتهما عليه.. اليوم موعدنا الشهري على المقهى.. عشر سنين لم نخلف الميعاد سوى مرات قليلة أستطيع أن أحصيها كاملة .. غيابنا الأول كان مع ولادة أكرم ابنه البكري لتعب رانيا زوجته وبقائها الطويل بالمستشفي ... والثاني حين ودعني طارق بعد أن شهد عقد قرآني على هبة المغربي .. طارق وحده من كل معارفي هو من عاش حدوتة عشقي لها  والشاهد على زواجنا الذي استمر ثلاثة أعوام.. أتذكر غضب هبة لنزولي المقهى بعد ثلاثة أسابيع من الزواج .. رغبتها ألا تتركني أسهر بدونها .. ضحكت  وصالحتها عند العودة بزجاجة عطر صغيرة.
  فى اللقاء الأخير قلت لنفسي ولطارق بصوت مسموع: لماذا نعيش في هذا الزمن القبيح.. إن سلمنا لها نذوب نتلاشى فيها.. وإن عاندناه ينصب شباكه حولنا ويقف في مركز الدائرة منتظرا سقوطنا الواحد تلو الآخر..  ليمتص كل ما بداخلنا...
  لم يجد طارق ما يقوله فأشار بيده علامة من لا يدرى..
  أحاول أحيانا أن أخدع نفسي بأننا كان يجب علينا فعل شيء .. شيء حقيقي ملموس.. لأفيق بعدها غير مصدق لحرف واحد مما أقول.. ماذا تركوا لنا سوى الأيدي المشوهة نهش بها الذباب من على وجوهنا.. شخنا قبل أواننا .. كبرنا.. عجزنا عن الحركة,  فما بالك بالقدرة على استيلاد  واقع يمكن التنفس فيه...
  يضحك طارق معلقا : أنت فقط من أصابه العجز.. وتحاول إصابتي بفيروساتك القاتلة.. لكني محصن.. تعلم أن التطورات الأخيرة لا تخلو من فائدة..  ويشير بطرف عينه لبعض الفتيات الجالسات جوارنا.. ويغني : الدنيا حلوة والله حلوة...
  يحاول طارق أن ينحت الجبل بإيرة صغيرة ..ويتناسى دلو الحبر الأسود الذي ينسكب يوميا فوق رؤوسنا ..  ولا أجد فيما يفعله أي عقل أو جدوى..
  رغم تغير تفكير طارق في السنوات الأخيرة إلا أنه ما زال ملجأي ومصدر الفرج حين تغلق كل الطرق بوجهي.. بإنسانيته الرائقة البسيطة الرقيقة..  طارق المنتصر دائما في معاركه الصغيرة والكبيرة في الحياة..
  زاد تأخر طارق عن المعتاد .. تخيلته في معركة من معاركه .. ولم أتصور أن خلافا قد يقع بينه ورانيا .. بيتهما هو جنتي التي ألوذ بها في أوقات كربي.. وأكرم ابني الذي لم أنجبه..


بدأت مطرقة الصداع عملها الرتيب برأسي.. ولم تفلح المسكنات وفنجان القهوة في فعل شيء.. يأتي الألم الرهيب من خلف الرأس ليتجمع بمنتصف الجبهة.. اطفأ سيجارتي فيخف قليلا ليعود بعدها أشد.. تذكرت آخر مرة عانيت فيها من هذا الألم.. زارني بعد ساعتين عشتهما في تجربة فاشلة بعد انفصالي عن هبة بعام..
كانت جارتي التي تحاول اقتناص لحظات تكبل فيها عقلي لتقتنص اعترافا بحبي لها واحتمالية بناء بيت أكون أنا فيه السيد.. احتضنتني بعنف طالبة أن أعترف في أذنها بعشقي لها.. تعصترني بقوة وترتمي فوق أحد كراسي البيت.. وفي قمة انهماكها تهمس بلوعة أن أتركها .. لتقوم باكية على ما فعلته وتقترب من الباب .. فأهدأها بكلمات قليلة.. تطول وقفتها بالباب ولا تحاول فتحه.. فأخمن أنها تطلب وداعا صغيرا.. أفكر في قبلة صغيرة حانية خالية من الرغبة.. أحتضنها فتتعلق بي بشبق عاصف .. واتعجب من قوة ذراعيها.. لنسقط ثانية على نفس الكرسي وتعاود كرها وفرها.. يد تحوطني ويد تدفعني عنها وشفاه تهمس وتصرخ بكلمات متناقضة .. أحبك واتركني... لتعود فتبكي.. كان هذا أقسى صداع مررت به.
لم يأت طارق.. فعدت مرافقا الصداع ولم أحاول حتى الاتصال به للاطمئنان.



إضاءة

- كثيرا ما تدلنا يد الله على الطريق.. علامات أكثر من أن تحصى توضع كاللافتات على الجانبين وننشغل عنها بالنظر إلى الخلف أو على أحسن تقدير إلى الأمام أو أسفل أقدامنا.. لا نحاول أن نرى روعة إبداع الخالق من حولنا.. هل هو تغافل أم عمى؟ لا أدرى.


- حين أنظر للخلف أرى أنني كنت أكثر غباءً مما أنا عليه الآن.. فأحمد الله على غبائي الحالي!!




- أن أكون رمادا.. يعني أني عشت التجربة فاحترقت, لم تمض أيامي جوفاء
أن أكون ترابا.. يكون الله لم يدخلني في التجربة أو لم أتبع الإشارات


تعليق على رسالة نصية

أن أجعل هذا القلب الذي كنت أسكنه.. وكان عشي الأخيرقبل أن أتوه في صحراء الفعل واللافعل.. الجدوي واللاجدوي... أن أجعله فرحانا.. جعلني أنام مطمئنا أنني لم أحرث الماء.. وأن بذوري رغم قدمها ما زالت صالحة لأن يتفجر منها سيقانا تحمل ورودا زاهية تعطر الهواء الذي يتنفسه.


ائتلاف




العصافير الرمادية التي لا تحمل لونا .. والتي تتخذ من لونها تضليلا لأعدائها داخل أوراق الشجر الباهتة.. وعلى الأرض التي تحمل نفس لون العصافير.. ذكريات الطفولة معها لا تتجاوز ذكريات أي طفل.. محاولاتنا الفاشلة دوما لاصطيادها بالفخاخ المعدنية .. البحث عن دود يصلح كطعم.. والانتظار الطويل بلا فائدة.. لكن كان الأمر لا يخلو من متعة وإحباط وفرح.. متعة لهونا كأطفال وإحباط الفشل في الصيد والفرح بعدم اضطرارنا لذبحها إن سقطت في فخاخنا.
شكلها مذبوحة ومقيدة مجموعات من أرجلها في سوق الطيور بالعتبة صورة أخرى لم تكن تحرك الشفقة بقلبي..  كانت مجرد نوع من الطعام  أتعجب ممن يطاوعه قلبه لالتهام هذه الكائنات الصغيرة الرقيقة.. 
كلما سمعت الحديث الشريف: (الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ) كنت أرى تلك الأرواح تأخذ هيئة العصافير وتطير مزقزقة أزواجا في فراغ السماوات الرحب
تلك كل الصور التي وجدتها بذاكرتي عن العصافير الرمادية التي لا تحمل لونا مميزا..
فلماذا الآن.. بعد سكني الطويل للبحر.. وعشقي الذي كان لنوارسه البيضاء... لماذا حاولت العصافير الرمادية اختراق قلبي لتبني أعشاشا صغيرة دافئة لأفراخها.. ونجحت باقتدار.. 
لماذا هجرتني النوارس وألفتني العصافير؟



الثلاثاء، 1 يونيو 2010

فتافيت ضحك



خلّص البلياتشو حركاته
وف آخر القعدة...
لمّ من بين رجل العيال
فتفوتة.. من ضحكتهم الصافية
وحطها جوا الشوال
- هاتنفعه لبكره –
وبحرص أب خايف ع الضنا
ربط الحزام عقدة.
      *    *    *
كان حلم حياة البلياتشو
ضحكة كبيرة
لاهي مرسومة ولا زايفة
بدل المرسومة بالجير على وشه





الخميس، 27 مايو 2010

إنبات (قصة قصيرة)

- عايز أروح الأر ض
- ا ستني لما عاطف يرجع ياخدك معاه.
- ما تقلقش يا عمي الدنيا هنا ما تتوهش.
خرجت وحدي - بعد أن انتبهت جيدا لشرحهم أين توجد الأر ض - زيارتي الأولى للحقول.. الاتساع والهواء الذي يشعرك بأن لك رئتين تحملهما في صدرك .. تعجيت من أن شكل الخضار الشاسع حولي وهذا الهدوء جعلاني اكتشف أن لي رئتين و أنف وعينين .. اكتشاف إحسا س جديد لوظائف الجسم رغم أنها تتم بداخلي كل لحظة.
علي رأس الغيط كان يجلس عاطف .. ولما رآني ضحك : معقول عرفت تيجي هنا لوحدك؟ دا مشوار؟ ابتسمت ولم أعلق .. يصغرني بسنوات ويتلذذ بمعاملتي كطفل .. كنت في بداية تعليمي الإعدادي - إلا أني في نظره ابن القاهرة المدلل .. من فئة الأطفال وليس العيال .. وكان يؤكد هذا ملابسي بلونها الفاتح وامتلاء جسدي وحذائي الجديد اللامع.
سرحت عيني مع البراح حولي .. صوت رتيب يأتي من خلفي من بعيد .. كانت آله كبيرة على البعد يرتفع منها جزء ليهبط مصدرا طرقة عالية يرافقها صعود بخار من جزء آخر .. شغلت نفسي بحساب الفرق بين ر ؤية البخار و صوت الطرقة.. التفت لعاطف لأسأله ماذا يعرف عن سرعة الصوت والضوء .. ابتدرني قائلا:
- هاروح أجيب حاجة بسرعة وخليك هنا واهي الأر ض بتتروي لوحدها..
كدت أسأله كيف تروى؟ وفي نفس اللحظة قررت أن أحاول التعلم بعيني ودون سؤال ..
- اوعى بس يطلع لك ديب وللا حاجة .. بس لو شفت تعلب ماتخافش .. زيه زي الكلب ما بيعملش حاجة..
كانت النصيحة الأخيرة حقيقية .. قلت لنفسي : هما هنا ما بيخافوش من الكلاب كمان.
عريشة صغيرة بجوار شجرة .. وكومة تراب بجوارها .. جلست انتظر عاطف .. خلفي مربط جاموستين وبقرة .. ممرات مائية صغيرة بها فتحات ينساب منها الماء ليروى الأر ض.. أكيد هي دي اللي بيسدوها لما الأر ض تتروي.. مش كيميا يعني! جربت أن أكلم نفسي بصوت عالي .. مسكت قطعة من الطين .. إحساسي بطراوتها لم يخف عن يدي ما بها من طاقة .. ووجدت نفسي أفلسف الأمور .. و أفكر كيف أن قطعة الطين هذه تأخذ البذرة الصغيرة وتفجر بها كل هذه الحياة .. لدونة الطين وطاقته الكامنة فجرا بداخلي مشاعر متناقضة من حب الطين وطهارته رغم تحذيرات الأهل من اللعب به .. أخذ الطين في يدي يتحول لشكل رأس البقرة بسمرته اللذيذة .. قلبت برجلي الأر ض باحثا عن عود صغير ارسم به العينين والفم المتسع.
- ا سبوع كمان في المكان دا وابقي شاعر ور سام ومش بعيد ملحن.
تذكرت قصيدة صلاح جاهين (عيون البقر) «واللي يعشق واحدة فيها م البقر يبقى لا مؤاخذة تور » .. انتهيت من إلقاء القصيدة و أنا واقف أمام البقرة أنظر لعينها .. و أكلم الجامو سة بصوت عال:
- ما تزعلي ش بس هي دي اللي حافظها .. (قصاقيص ورق) ما فيهوش حاجة عن الجامو س.
- انت بتكلم نفسك؟
جاءني الصوت من خلفي مباغت .. كيف لم أ شعر باقترابها رغم اكتشافي لحوا سي وهذا الهدوء اللذيذ ...
كانت تحمل منديلا مطويا.. بداخله أرغفة وبعض الطعام لأخيها ..
- أمال الواد عاطف راح فين؟
- مش عارف .. وسكت.
- طول عمره فقري .. أمي دابحة النهاردة وباعتاله نايبه.. بس انت بقى هاترجع معايا تاكل ف البيت..
التفتت بعينيها تفحص المكان .. كان الطريق إلى مجلسنا طويلا .. وباتساع الأفق لم ألمح إنسانا غيرنا.. جلست جواري .. تاركة المنديل باهمال على كومة تراب .. قلت أنا مالي هو أنا اللي هاكل؟ كان الكلام في سري .. وطال بعده الصمت.
حاولت أن أجد أي كلام يقال ليزيح هذا الفراغ اللزج ولم أجد .. كانت كل معلوماتي عن الريف تنحصر في عم حسن الذي ا ستطاع في أحد درو س الكتاب الابتدائي أن ينزع الكرنبة من الأر ض..
- ما قلتليش .. انت كنت بتكلم البقرة بجد؟
ابتسمت ولم أعلق .. هاقول لها إني بقول شعر للبقرة عن عيونها الو ساع؟ هابقى عبيط رسمي.. التقطت رأ س الجامو سة من الأر ض .. قلبتها بيدها با ستغراب وقالت مازحة:
- بص .. حد كان بيحاول يعمل بقرة بس طلعت معاه كده؟
- كده ازاي يعني؟ مالها؟
- شكل لا هو بقرة ولا جامو سة ولا حتى حمار.
غاظني الكلام.. وغاظني أكثر فشل مشروعي النحتي الأول .. ووجدتني اتبرأ منه .. و أرد لها مزحتها ببعض التعالي:
- تلاقي اللي عاملها ما بيشوفش قدامه غير الحيوانات.
لم تلحظ ما رميت إليه .. فاغتظت أكثر .. كنت أحاول بسذاجة طفولية أن أثبت لها مدي ثقافتي أنا القادم من القاهرة ..
- انت تعرف إيه الفرق بين البقرة والثور؟
قلت لنفسي هي دي الثقافة اللي عندك؟؟ .. وحاولت الرد.. فتحت فمي ولم أنطق .. انتبهت للتلميح .. وكيف كانت تدير الحديث ببراعة إلي الجهة التي تريدها .. لمعت عيناها بنظرة متحدية .. ونظرت في عيني مبا شرة .. تلاشت من رأسي الكلمات والقاهرة والجاموستين والبقرة خلفنا .. سحبتني بيد .. وبالأخرى وكأنها ترفعه عن الأر ض لمت جانب جلبابها ليضيق على جسدها مظهرا انحناءاته.. .. ارتعبت أن تلحظ الرعشة التي انتابت نفسي .. أجاهد ألا يرتعش جسدي .. دارت بي حول الثلاثة حيوانات . و أ شارت إليها دون ان تنطق ..
قالت متحدية وناظرة نحوي:
- بس ما فيش هنا تور كنت وريتهولك.
ساقتني بيديها لنجلس والتصقت بي .. وراحت تبحث عن وجه الشبه بيني وبين الحيوان المذكور... المشاعر الطفلة بداخلي تتلاشي .. وتنفجر بدايات الرجولة.. ملمس الطين والطاقة المتفجرة بداخله .. رأيتني بذرة تتفجر منها الخضرة وتنبت الفروع بقوة مختلطة بالطين .. يذوب بفمي طعم ثمار لم أذقها من قبل .. من أي شجرة نبتت لم أعرف ولم يكن يعنيني أن أعرف.. أتوه ولا أعرف أي الطرق أسلك.. فتمسك يدي تدلها على أماكن طرحها .. ثمار تنضج وتكبر كلما أكلت .. أعضاء جسدي تكتشف وظائفها الكامنة بها .. الشفاه والأذرع .. كل عضو يكتشف وظائفه الجديدة بعشق جديد للحياة .. تتشابك الفروع وتوجهها هي حيث تشاء ..تركتني أتلاشي حتي نهايتي ..
استلقت على ظهرها ببسمة لذيذه أنارت وجهها .. جلست ألملم جسدي وروحي الذائبة .. وعاد للهواء صوته الرقيق و ضربت الأر ض بقرة برجلها .... لم تنظر لي وقالت:
- مالك .. انت زعلان؟
يدي تعبث بالطين .. أمسك حجارة صغيرة و ألقيها بعيدا .. ولا أفكر في شيء .. قطعة صغيرة من الطين بيدي .. نظرت فيها .. لم تكن من قبل على شكل أي من الحيوانات .. لا بقرة ولا جاموسة ولا حتي حمار.
- تعرفي تكمليها انتي؟؟
ابتسمت بخبث
- هاخليها تور.
19 - 4 - 2009

حذف حرف العلة ..... قصة قصيرة

على غير العادة أيقظني مؤذن الفجر .. ميكروفونات الصلاة تختلط بأصوات الأتوبيسات المسرعة لتلحق ورديتها الأولى. صوت رواد المقهى ما زال مرتفعا .. الخطوات المكتومة للحاجة صاحبة البيت تنزل السلم لصلاة الفجر بالمسجد القريب.. الخطوات الحادة للكآبة تنغرس بالقلب كإبر رفيعة.. كلما اقتربنا من النهاية زادت التقوى.. أحاول تخيلها في شبابها.. أيام مجدها .. ذكرياتها في الحي.. شبرا البيت والوطن أحتويها وتحتويني حتى النخاع..
قبل أن أجد هذه الشقة لي ولها .. عشت على أطراف القاهرة.. أركب مع أحمد عبد الناصر المقيم بها سيارته الصغيرة في طريق العودة.. أترك أحمد في شارع شبرا وأسير مستنشقا الروح العتيقة للحي القديم وأكمل مشواري اليومي باتجاه التحرير..
نمت ساعتين ورغم ذلك رفعت الغطاء بنشاط غير عادي .. بداية يوم أحسه مختلفا رغم إحساس الكآبة الذي يحاول أن يخنق القلب ولا أعرف السبب.. لم أجهد نفسي في البحث عن الشبشب.. لامست قدماي البلاط البارد خلال فتحات الكليم الواسعة .. كليم بني باهت ممزق كل ما تبقي لي من أشياء والدتي القليلة القديمة .. حرصت على أن يكون معي بحجرة نومي .. أجلس عليه ممددا ساقي كما كانت تفعل رحمها الله..


*   *   *

فتحت لها الباب وابتعدت قليلا .. أحب قفزاتها إلي .. تجري قليلا وقبل أن تلامسني تترك قدميها تحتكان بالأرض بحركة طفولية فاتحة ذراعيها لتعتصرني بشغف .. حضن نذوب فيه ..تخترق رائحتها كل خلايا إحساسي..مزيج لذيذ من رائحة جسدها وعطر خفيف.. كل جزء منها أحفظ رائحته.. الغريب أن أول ما يوقظ اشتياقي تذكري لتلك الروائح.. ألمح باب الشقة مفتوحا .. أسير بها محتضنها أغلق الباب مسندا ظهرها عليه ونحترق...
كالعادة تتحجج بألم أسنانها .. اشتكت من أن التقويم مازال يؤلمها فلا تستطيع الأكل .. قبل أن تأتي أعددت إفطارا متعدد الأصناف .. رغم جوعي لم آكل .. أقنعتني أخيرا بأن أمضغ لها .. وأطعمها كصغار الطيور .. تعجبتِ من اندهاشي .. أشعر ببعض الغرابة إن جاريتها فيما تطلب .. قالت: أكلتك أنت وتستغرب أن آكل من فمك؟! أول الأمر حيرني منطقها .. لكنه العشق. أري نفسي كإناء يغلي بداخله الماء ولا يجد البخار مكانا يتنفس منه حتى جاءت.. تلقاءيتها ومرحها كانا الثقب الذي لولاه لانفجرت.

*   *   *

خطوات نشيطة إلى المطبخ حرصت خلالها ألا أنظر لوجهي في المرآة الموجودة بالطرقة.. هذا الوجه الذي لازمني فوق الأربعين عاما ولم يتغير إلا في الثلاثة أعوام السابق.. أو لم أكن حينها أفكر فيه كما أفكر الآن.. لم أعلم مدي سوء ما وصل إله الوضع إلا حين استفسر مني شاب عن طريق مخاطبني بكلمة (حاج).. أيقنت ساعتها أنني غادرت محطات الأحلام ومحاولات التغيير.. وبدأ منحنى الهبوط.. أجول ببصري بأنحاء الشقة.. أعجز عن تفسير السبب الحقيقي لهجرها.. ما جعلها تقطع ذلك الخيط الحريري .. يرفض العقل أسبابها المعلنة.. لا أريد تعكير صفو اليوم .. لكني رأيت الوجه وجهي يبرز لي من عقلي.. وجه ممتلئ بصلعته اللامعة التي أحاول أن أخفف من تأثيرها علي منظري العام بشعر منكوش على الجانبين... ودائما ذقن غير حليقة غزاها الشعر الأبيض.

*   *   *




في أول لقاء لنا منفردين.. تأخرت ثلث ساعة.. وتحججت بحلاقة ذقني .. أصرت أن أعاهدها ألا أحلقها قبل أي موعد لنا!!!
كما لكل مدينة قلب وميدان رئيسي ... هبه المغربي .. ميدان تحريري .. كل طرقي تؤدي إليها وهي دوما فاتحة ذراعيها لتحتويني... طفلتي المتفجرة .. أمام الكافيتريا الشهيرة بميدان مصطفي محمود انتظرها .. يرن هاتفي فأرد وعيني تبحث عنها .. لا أعرف من أين ستأتي.. على البعد ألمحها مع صديقة لا أعرفها .. تسيران بمحاذاتي أتابعهما أثناء انشغالي بالهاتف .. ترن ضحكتها فأعرف أنها في موقف لا تعرف كيف تتخلص منه .. أخيرا تبتعد رفيقتها وتأتي هي مبتسمة متوهجة ..
- كانت تريد توصيلى.. ولم أدرِ كيف أعتذر لها..
ثم قالت بنفس الابتسامة:
- من؟
أقطب جبيني كأني لا أريد الطرف الثاني أن يسمعها.. وأختم كلامي بالهاتف بصوت عال:
- مع السلامة يا أستاذة
تدس يدها بيني وبين ذراعي وتسألني عن أخبار الأستاذة أختي.. أقترح الجلوس بالكافيتيريا.. تجذبني لنسير معا في الطريق لبيتها بالدقي.. يمضي معها الوقت دون أن أشعر.. تقف بطريقتها الطفولية مستندة على سيارة .. المكان مظلم سور نادي الصيد يمتد خلفنا.. يسيطر الخوف والقلق رغم سنواتي وكل ما اقترفته من آثام... يملأني حيائي الاجتماعي الذي أكرهه وأسحب يدها مبتعدا لمكان آخر مضاء ... أجلسها على مقعد المحطة الخاوية من الناس والمواصلات.. تصر أن تفتح حقيبتي لترى الأعمال الجديدة المطبوعة .. أعشق نظرتها الفاحصة المتأملة الناقدة لأعمالي .. أفرح كطفل عندما تثني على فكرة أو تصميم جديد .. تلمح تفاصيل التفاصيل .. وعندما أتحجج بأن بعض العيوب التي تلتقطها سببها طلبات العميل .. ترمقني بنظرة أمومية حانية لا تخلو من لوم.

*   *   *

أضع الكنكة على البوتاجاز, وأشعل سيجارة وبنفس العود أشعل البوتاجاز.. دقائق قلية مملة أمني نفسي فيها بقهوة مصنوعة باحتراف.. متعة من متعي القليلة هذه الساعة الصباحية مع القهوة والسيجارة.. أتذكر تحذيرات أمي المتكررة ودعاءها بأن أكره التدخين.. أعلم أنها متعتي الوحيدة وأوقن أيضا أنها ستكون سبب موتي قبل الأوان... وأدعو الله أن يكون موتا سريعا بدون تفصيلات العلاج المملة.. الأكواب مبعثرة منتشرة بكل مكان وأعقاب السجائر مرشوقة ببقايا التفل.. بقايا سهرتي وحيدا بالأمس .. عيناي على القهوة حتى لا تفور .. أبحث عن الكوب الزجاجي الصغير بينها فلا أجده. أخيرا وجدته جوار رجل الترابيزة بالصالة .. يأتيني صوت فوران القهوة من المطبخ معلنا أنني سأقف من جديد تلك الدقائق المملة .. رن صوت أمي داخلي بمثلين متناقضين : «دلق القهوة خير», «دلقوا القهوة من عماهم وقالوا الخير جاهم» .. رحمها الله كم حيرتني بما يحمل تراثها الشعبي من تناقضات... رفعت الكنكة من على النار ووضعتها بالحوض .. وأسندت رأس على يدي ومرفقي على الرخامة...(لابد للشاعر من نخب جديد وأناشيد جديدة).



*   *   *

ترهقني بسنينها التي تجاوزت العشرين بقليل.. أتركها تجول كما تشاء.. تحمل رسالة إسعادي أو إنعاشي إن شئت الدقة.. بعد الانتهاء تمنيت أن أنام في دفء وجودها.. مر عام على الزواج ولم نحظ بمتعة النوم ليلا أو نهارا معا.. غفوت لدقائق لا تزيد على العشرة..جلسنا على البلاط.. ظهرنا للحائط لتمتد الكلمات خيطا ناعما من الدفء الودود .. تسند رأسها علىّ.. ليس من عادتها البوح بما يسعدها.. فقط تسألني عن سعادتي.. لكنها حكت عن شعورها في تلك الدقائق العشر ماذا تكون الجنة إن لم تكن هذه اللحظات! وتعود أصابعها بحركاتها الصبيانية لتجول ماسحة جسدي .. لا أجد ما أقوله..أضحك مبينا عدم استطاعتي المعاودة ثانية.. بحركة من كفي وشفتي أتساءل كيف؟ تضحك بهيستريا وتقلد حركة يدي وأنا أتكلم.. لتصبح هذه الحركة مفتاحا للضحك في كل الأوقات.. لم تقلقني صراحتي.. لكن تقبلها لتعبي وعدم قدرتي على الاستمرار هو ما أثار دهشتي..
في اليوم التالي أتت ببعض الطعام .. مكرونة وفرخة مشوية .. المكرونة غارقة في بحر من الزيت ذي اللون الأحمر .. أخيرا وجدت ما أداعبها به حين تكرر مزحتها بتقليد حركة اليد.. صارت سعيدة بعشنا المؤقت الصغير... كل لحظة أشعر بدوام البيت ورسوخه بقلبها .. معها لا تهم التفاصيل الصغيرة .. معها أحب الله والناس .. الحياة بمتعتها وهمومها تختصر في عدة ساعات نعيشها معا.. كل لقاء أعيشه كأنه الأول .. أزيل الإيشارب فألاحظ التفاف حمالات المايوه خلف رقبتها .. لون مختلف .. أعشق تفكيرها فيما أحب من ألوان وموديلات.. تبحث عن الجديد في كل لقاء.. مفاجأة جديدة.. الغريب أني أتوقع ما ستفعله وترتديه.. رن الهاتف وطلب أخي رؤيتي حالا.. بصوته رنة غريبة لا أسمعها إلا في أوقات قليلة إما مرض أحد أو وفاته.. إذا هي دعوة صغيرة من أخي لحضور عزاء.. لم تبد غاضبة وكأننا قضيا شهرا معا ..تبخرما أستعد له من متعة.. ولم أعش لحظة المفاجأة بما جهزته.. استحثتني للخروج لأقابل أخي دون لحظة تأفف..!!

*   *   *



أطمأن على نقودي بجيب الجاكيت.. ألتقط البنطلون الجينز الأسود هو الوحيد الذي سيتحمل مشواري.. قمصان بدون كي في حقيبتي الصغيرة.. الشوارع في قمة استيقاظها .. ساعة عودة الورديات الليلة وخروج آخرين لبدء مشوارهم اليومي.. متي انتشرت هذه الفوضى في الميدان؟ أوراق متناثرة وأكواب بلاستيكية فارغة تحت المقاعد.. لم أعتد هذا الزخم الصباحي .. ألقيت بنفسي بأول ميكروباص متجه لرمسيس .. حتي رمسيس الشامخ بوقفته بميدانه لن أراه هناك.. انتقل ولم يبق للميدان سوي الاسم..


*   *   *


أول معرفتي بها جاءت مع صديقة تطلب تصميما لمشروع خاص بصاحبتها.. تكبرها صديقتها بعام, هي من ناقشني وكأنها صاحبة المشروع .. شرحها لموضوعه وما تريد أن تظهره جليا .. والطرح الشيق البسيط للفكرة .. تتمنى أن أبتكر لها شيئا مبهرا لم يرَ من قبل.. وتحاول أن تفجر بداخلي رؤيتها .. طمأنتها .. ما تعنيه تماما أشعر به ووصلني.. تساءلت ببعض الشك عن خبرتي بالعمل في مشاريع الكلية.. ضحكت وطمأنتها..
جاءت لتتسلم التصميم قبل الموعد بيوم.. وبدون صاحبة المشروع الأصلية.. فرحتها بالتصميم أشعرتني بأنها احتضنتني.
حينما أفكر في ترك هذا العمل بكل ما يحويه من تفاصيل كثيرة وقلق في كل مرحلة .. وكم الشد العصبي به وما لم أحققه بمجالي هذا.. تقول لي لولاه ما تعرفت بك .. أحاول إغراءها بصورة لقرية صغيرة ترقد في حضن جبل بالصعيد.. تمتد أمامها حقول خضراء.. نعمل أشياء بسيطة تكفينا مؤونة الطعام والشراب لنعيش ما بقي من أيام في هدوء..روحها المقاتلة لم توافق أفكاري المستسلمة .

*   *   *

حاولت تفادي جسد البنت على طرف المقعد.. جلست بينها وبين الراكب على شمالي جوار الشباك.. أقلقني بروز فخذها من البنطلون الجينز الضيق.. بلوزة صفراء ملتصقة بها تبين تفاصيل ملابسها الداخلية رغم حجابها! كانت في سن هبة تقريبا رغم الاختلاف البعيد في الهيئة.. تذكري هبة وهدوء الطريق أضفى لمسة من الإنسانية على وجوه الركاب.. امتدت أصابع السائق تعبث بالراديو ولما لم يجد ما يبحث عنه وضع شريط كاسيت وانساب صوت المقرئ الهادئ ليكمل لوحة السكينة...

*   *   *

الوحدة الطويلة علمتني ألا أتحدث كثيرا .. من أين لي كلمات لم يقلها أحد من قبل .. كل الحروف فقدت طزاجتها ومعناها بكثرة التكرار.. إلا مع هبة .. طعم الحروف متفجر .. كنت أتذوق للكلمات طعما لم أحسه من قبل.
«كنت أريده دومًا نَمِر .. فيجيء دومًا محضَ قِط» (نجيب سرور)
محاولاتها الضعيفة في كتابة الشعر.. ومحاولاتي المستميتة لتدريبها.. يوميا أرسل لها قصيدة لأمل دنقل أو صلاح عبد الصبور .. حواراتي معها برباعيات جاهين.. دون أن يطرأ أي تغير على طريقة كتابتها.. لا أستطيع إنكار قوة إحاسيسها .. وتحب أن تصف نفسها بكتلة مشاعر متحركة ولا أرى هذا كافيا للإبداع الشعري.. حين أرسلت لها قصيدة الطيور لأمل دنقل فاجأني في الصباح التالي صوتها يغني بالهاتف.. سعادتها بالقصيدة التي ألقاها عليهم الدكتور في محاضرة اليوم تفوق فرحتي بصوتها.. تحاول توصيل فرحتها بالقصيدة وإحساسها بأني من يلقيها عليها وليس الدكتور المحاضر.. بحثت عن القصيدة بصوت الشاعر على النت .. وأرسلتها في حينها.. صار الاندهاش روتينا يوميا لنا..
في سفرها الصيفي للساحل الشمالي نفضل المحادثة كتابة عبر الإنترنت على الكلام عبر الهاتف.. الدهشة لأننا بنفس الوقت نكتب نفس الكلمات بحذافيرها.. نفس كلمات العشق.. الأسئلة الإجابات.. نفس الحروف حتى المسافات الفارغة حين يعصرنا الشوق هي نفس المسافات.. البداية دهشة .. وصار أسلوبنا في الدهشة .. ألا نندهش.


*   *   *

في اندماجي مع صوت الشيخ المنساب .. (ألهاكم التكاثر.. ألهاكم التكاثر.. ألهاكم التكاثر).. فتحت الراكبة جواري حقيبتها وراحت تعبث بمحتوياتها حتي أخرجت خمسة جنيهات ورقية.. ناولتني إياها رغم كونها الأقرب للولد الجالس جوار الباب يجمع الأجرة.. التناقض بين هيئتها بجسدها المتفجر وبين كسوفها من دفع الأجرة للولد مباشرة.. حاولت أن أذوب في إحساس السكينة الذي بدأ يتلاشي .. وأتناسى هذه التفصيلات الصغيرة ليعود.


*   *   *





عام مر.. لم أرها خلاله.. أصر على الاطمئنان عليها فلا تملك إلا الموافقة .. على باب المطعم النيلي لم أحاول أن أمسك يدها ..خوفي من استيقاظ الجرح.. تعمدت السير خلفها متفحصا جسدها .. فقدت الكثير من الوزن .. الجيب السوداء أشيك كثيرا مما اعتدت عليه .. ملابسها دوما بسيطة متأنقة .. رؤيتها لم تحرك إلا ما استقر بقلبي من ألم لبعدها ... شعرت بها ابنتي المدهشة التي أريد أن أحتويها بحنان أبوي.. يهتز المكان مع موجات مركب عابر.. أمسكت كوب الشيكولاته الساخنة .. قلب داكن مرسوم بالشيكولاته الخام على الرغوة الوفيرة البيضاء.. القلب على كوبي مرسوم بتناسق منساب برقة.. وعندها أطرافه مهتزة مشوشة .. ضحكت معاتبة الجرسون فاعتذر بأدب وانصرف.. حتى الشيكولاته تعرف كيف تدلى برأيها فيمن يشربها. باغتتني بالسؤال عما بقي في رأسي من مواقفنا معا .. رأت صمتي ورأتنا معا نضحك وأنا أقبل جسدها .. ورأتني مركزا بشفتي على وردة صغيرة أسفل بطنها رسمت معها أول حرفين من اسمينا.. ورأت نفسها تحتضن قدمي وتقبلها بعشق.. رأت شفاهنا متلاصقة وأنا أطعمها.. كل ذلك رأته لحظة سؤالها.. فأسرعت : أقول لك .. لا تجب.. من دون كلمة وصلتها ردودي كلها.


*   *   *



طالت وقفتي أمام شباك التذاكر.. صف صغير يتحرك ببطء.. لم أشعر بلحظة ملل .. قارب الحلم على التحقق ... أغلب الواقفين تبدو عليهم علامات الطيبة ببشرتهم الداكنة..لا أحد يتذمر من طول الصف أو دخول رجل عجوز يطلب تذكرة متجاهلا الصف.. يفسحون له طريقا بين أجسادهم المتلاصقة ليعبر.. الحديث الدائر عن شراء التذاكر وصعوبته.. لا يكون بهذه السهولة في أيام الأعياد والمواسم.. مددت يدي للموظف الجالس كالسجين خلف الزجاج.. ارتعشت يدي وأنا أمسك التذكرة! جواز مروري لأيام مجهولة قادمة.. السيجارة تلفظ أنفاسها الأخيرة.. إغراء الصحف والمجلات لم يجذبني .. نائما سأقضي ساعات الطريق .. اشتريت علبة سجائر جديدة دسستها بجيبي.. وزجاجة مياه شربت أغلبها قبل أن أتحرك..جلست على أقرب مقعد, حركة المسافرين حولي تفصلني أكثر عن الزمن.. ضاعف الزحام وحدتي... أخرجت الهاتف وكتبت : لماذا لا أستطيع إخراجك من دمي؟ أتلفت حياتي .. لن أقدر على العشق بعدك.. قرأت الرسالة أكثر من مرة.. وبعد سيجارتين كاملتين ضغطت زر الإرسال.. تحركت ببطء أوقفت أول القادمين نحوي وسط زحام الرصيف لأسأله: أين رصيف قطار أسوان؟.