الأحد، 3 أكتوبر 2010

صفيح وزجاج .. رمضان زماااان (مسودة فقط للاحتفاظ بالذكرى)






ليلة أول رمضان … المدينة شبه خالية .. فروع زينة قليلة تطل علينا باستحياء… أسأل زياد ابني (11 سنة)  : ما شفتش حد بتاع فول. يجاوبني : يا عم أكيد هانلاقي بس نكمل آخر الشارع.
اداعبه : على أيامك ما فيش إحساس برمضان زي زمان.. يتلامض مجاوبا : إنت بس عشان كبير .. بس الاحساس ده أنا حاسسه.. شامم ريحة رمضان.. وعلى فكرة بقى فيه حاجات كتيرة انتوا عشان كبرتوا ما بتشوفوهاش بس احنا يا عيال بنبقى عارفينها
أتعجب هل تبقى من رائحة زمان شيء يشمه هو؟ إن كانت الرائحة القديمة أو ما تبقى منها كنت استطعت شمها ..  أم أنها رائحة جديدة لا تستطيع أنوفنا - التي تربت على نكهة رمضان الأصيلة أن تدركها؟
تنظيف الشارع:
يفتح شهيتي للحكي .. استعدادنا لرمضان يبدأ قبل الرؤية بأيام .. لم يكن الشارع ايامها مسفلتا .. الشباب الأكبر سنا ينظمونا في مجموعات .. فجأة تجد فؤوسا وحاجات نشيل فيها التراب مش فاكر اسمها .. كنت استغرب ونحن في حي شبرا من أين تأتي هذه الفؤوس.. مجموعة مهمتها تسوية التراب وردم الحفر .. وأخرى تجمع الأوراق والقمامة.. بعدها يرش الشارع كله بالماء…
الزينة والإضاءة:
المجموعة الأصغر سنا وأنا على رأسها نمر على كل البيوت بيت بيت نلم فلوس الزينة والإضاءة والفوانيس… طبعا ما كانش فيه حاجة بنشتريها جاهزة زي الأيام دي .. كنا نتجمع عيال البيت كله ونجيب الكراريس القديمة وهات يا تقطيع بالمقصات على شكل بناطيل .. حتي الصمغ كنا بنعمله يدوي شوية نشا ف مية ع النار يبقوا صمغ آخر متنانة .. واللي ما يقدرش يجيب نشا كان يعجن شوية دقيق بميه يأدوا نفس الغرض.. وكأننا بننشر البناطيل الورق علي الخيط - كان لكل تفصيلة صغيرة طقوسها وطريقتها الخاصة - الخيط كام (شلة) خيط منجد من عند العطار .. ونستغل أذرع العيال الأصغر سنا في فك الخيط ولفه من جديد علي قطع خشبية صغيرة ..
نحسب كم متر سلك كهربا سنحتاج وعدد اللمبات .. كانت هذه مسئولية محمد سعيد أعلمنا بموضوع الكهربا وتوصيلاتها .. إن كان محصولنا من التبرعات كبيرا صنعنا خطا من اللمبات طويلا على شكل زيجزاج .. وإن لم يكن اكتفينا بخط واح بطول الشارع تحمله خيوط الدوبارة القوية
كان التنافس بين الشوارع كبيرا .. كنا نباهي بكثرة فروع الزينة - كانت كلها باللون الأبيض لأوراق الكراريس - أما الفوانيس فأعترف بفشلنا الدائم (كشارع) في عمل فانوس تحفة .. كنا نحضر قفص من الفكهاني ونغطيه بورق السلوفان الملون وبعض العصيان من قفص آخر لعمل المئذنة .. ولمبة صغيرة تنيره ليلا..
فاكر مرة صحيت الصبح ووقفت في البلكونة  لقيت ولد من شارع تاني ماسك عصاية طويلة وبيحاول قطع فروع الزينة .. قبل أن أفكر في طريقة لمنعه كان عم سمير السباك - عليه رحمة الله - يشير لي أن أسكت ويتسحب من خلف الولد ليرن قلم على قفا الولد الذي طار من المفاجاة والالم
 ما قبل الإفطار:
حين يؤذن العصر .. ويشتد بنا العطش والجوع .. ويمتلأ البيت بروائح السمن والصواني في فرن البوتاجاز .. كانت أمي لانشغالها في المطبخ تنادي صارخة : تعال الحق الصينية اللي في الفرن .. درجة حرارة المطبخ لا تطاق .. تهب حرارة الفرن كلها في وجهي : لسه وشها ما احمرش .. أنا نازل الشارع .. لا تجد بدا من الموافقة
نذهب لنادي الشباب القريب .. لنشجع فريق شارعنا .. النهاردة فريقنا هايقابل فريق درب خليل .. يا الله ربنا يستر .. سواء انتصرنا أو انهزمنا نعرف مقدما أن المعركة بين الشارعين قادمة لا محالة .. كان مشجعيهم يتصفون بالغباء الرياضي .. فننصرف قبل نهاية الماتش محافظين على هدومنا من الاتساخ واجسادنا من الجروح .. لو خدنا العلقة منهم في النادي هانرجع ناخد علقة تانية من اهلنا عشان خدنا العلقة الاولانية؟
نرجع قبل الافطار بنصف ساعة لأداء مهمة شراء المخللات .. وتوزيع (شفاشق) الثلج على جيراننا ممن لا يملكون ثلاجة.. كانت الثلاجة في منزل كأنها ملكا لباقي البيوت .. اتذكر لبختي الدائمة حين يخبط ولد صغير على بابنا فأنادي أمي : ماما .. علي ابن ام سمير عايز الفرخة بتاعتهم من التلاجة.. فتجاوبني:
- اسأله كان الكيس لونه إيه؟
أفتح الفريزر لأتوه في زحمة ألوان أكياس اللحوم والفراخ وأشياء أخرى لا أعرف كنهها وأرجع بالكيس الأخضر لأسأله
- هي دي؟
أذان المغرب:
أطول دقائق تلك التي تسبق الأدان .. أمسك كوب الخشاف من قبل الأذان بفترة .. الله أكبر.. ينصحني أخي الأصغر بالانتظار حتى يتم المؤذن الشهادتين .. يوضح لي أبي رحمه الله أن لا داعي للانتظار فقد دخل الوقت عند بداية اللأذان .. يعني أشرب؟! .. اشرب.
ابتهالات النقشبندي وفوازير آمال فهمي ومونولوج كوميدي اعتقد كان لسيد الملاح.. اتذكر انه كان بنفس اللحن كل يوم مع تغيير الكلمات : قل لا تتزوج اثنينِ.. دا انا من زوجة طلعت عيني.. كانت موضوعات قليلة نحفظها كلنا .. أتذكر رحلة وانا في الصف الاول الاعدادي للفيوم غني لنا مدرس اللغة العربية كلمات من تأليفه على نفس اللحن : ما أجمل رحل الفيومِ  هي أحلى من الديك الرومي .. ما أجمل رحل الفيومِ .. وحتى اليوم لم أعرف لماذا جمع كلمة رحلة ليجعلها رحل وليس رحلات…
بعد الفطار :
الفوازير بطولة نيللي وكلمات العظيم صلاح جاهين .. وفي أعوام تاية فطوطة وسمير غانم .. ثم النزول لصلاة التراويح .. عربية حمص الشام أمام الجامع .. صلاة التراويح نكتفى كل يوم بصلاة أربع ركعات عشاء ونترك آباءنا في الجامع لنعود للفوانيس الزجاجية  كنا لا نترك أحدا على المحطة القريبة في الميدان دون أن نغني له : ادونا العادة رب خليكوا ..  قطعة قماش نطول بيها ايد الفانوس لانها كانت بتسخن من الشمعة … نجمع القروش القليلة لنشترى شمعا للفانوس استعدادا لجولة الغد .
 نظل حتى السحور نلعب في الشارع تريك ترك وبيت مين ده؟ والسبع طوبات .. أغرب لعبة فيهم كانت بيت مين ده .. نحمل أحدنا وهو مغمض العينين ممدا فوق أكتافنا ونلف به الشارع ونقترب من حائط أحد البيوت ونلصق قدمه بها لنسأله بيت مين ده؟ كان عليه أن يخمن بحسب المشوار وعدد اللفات المكان الذي وقفنا به عنده! العجيب أن أكثر من ثلاثة أرباع الاجابات كانت صحيحة.. وحين يخطئ ينزل لنرفع غيره.
المسحراتي :
كنا بنبقى مازلنا في الشارع ونلقن المسحراتي أسماءنا لينده بها _ بيصحينا واحنا واقفين جنبه.. كان يأتي دائما مبكرا ..
هل كنا كأطفال أكثر سعادة من أطفال اليوم .. أم أنهم أكثر حظا بالكمبيوتر وألعاب النت والفيسبوك؟
أنتظر إجابة …………..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق