البراح الفسيح, رائحة زهور البرتقال تصطف على جانبي الطريق, ولون السماء الأصفر المائل للحمرة, لم يدر أهو البرتقال أم أشعة الشمس تنطفئ في صفرة الصحراء. ضغط دواسة السرعة بأقصى ما تستطيعه قدمه, رغم انحناءات الطريق ثبت عجلة القيادة بذراعين متخشبتين. يقترب اللون بسرعة خاطفة من عينيه, تزداد إشعاعات الضوء مع سرعة السيارة, يزيد تصلب ساعديه على عجلة القيادة, يغمض فجأة عينيه, وكالعادة يستيقظ من الحلم مع صوت الأذان.
ذات يوم, فيما مضى من أيام الشباب, كتب بداية إحدى القصص هكذا : (ساعة من آخر ساعات الأحد, فيما بين العصر إلى الليل, والشمس في عطائها الشفقي تضع برتقال الغصون الراجفة في فراغ السماوات الرحب…), لكنه لم يستطع كتابة تفاصيل الحلم, وألف قصة صور نفسه فيها وهو ينتظر فتاته أمام مدينتها الجامعية, وغلف المنظر بتلك اللوحة البرتقالية للغروب.
في نزوله اليومي من بيته, وعبوره الطريق الوحيد الفاصل بين القاهرة ومدينته, ووسط انحشاره بين أجساد الراكبين بالميكروباص, يتذكر الحلم, يرى الطريق نموذجا حيا مثاليا للطريق المرسوم بأحلامه. يرى- فيما يرى المستيقظ - أن هذا الحلم نهايته المحتومة, فلم يحاول حتى اليوم تعلم قيادة السيارات, يؤكد لنفسه أن عزوفه هذا ليس خوفا من أجل محتوم, بل رعبا من فكرة الانتحار, وهل بعد كل هذاالعمر, واحتمال تكرار نفس اليوم بسخافته وملله, بعد هذي المعاناة, يفعلها!
ليته اختبر ذلك الإحساس منذ البداية, أول عمره .
اليوم, بعد استلامه مكافأة نهاية خدمته, استلم السيارة, وقف أمام بيته ينظف الزجاج, يصقل جسدها المعدني, محاولا أن يقنع نفسه أن يعيش كالآخرين.. كمن يقودون السيارات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق