الأحد، 5 يونيو 2011

سطور من كتاب النبوءات





… … … (1) وستسأم، ملء أيامك تنام، ملء وجودك، يملأ الملل ما بين جسدك النحيل والعظام، تمتلأ كقربة، تنتفخ، يَشْرع الجلد في التشقق، فيضيق عليك الرداء، يضغط السأم باحثا عن أضعف ما بك، فيجده، قلبك، ينطلق خارجا بصفير حاد في البداية، يدوّي انفجار الصدر…… وتصير بلا قلب (2) … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … …  (3) وحين تنظر إليها ممددة، مفرودة في فراشك، ساحرة المفاتن، تلك التي لم تلد مثلها أنثى من قبل، تفوح من ثناياها.. من أعطافها أبخرة العشق، سترى الجسد - جسدها - في عنفوان جموحه، ستراه من شدة فوران شهوته شفافا، بلوريا، كاشفا غرف القلب، وستجده - غريمك (4) -  بإحدى تلك الغرف فاتحا إحدى عيني الثعلب مغلقا الأخرى،  عاريا تمام العري، متكئا على جرحٍ قديم … … … … … … … … … … … … … … …  قاب قوسين من لقائها، عند انفراجة الساقين تتأهب، شاحذا عزمك، جاثيا على ركبتيك كوثني على باب معبد عتيق، يصرخ جسدها، يتلوى، يستحثك للبدء، وعند بدء زهوك بما لديك، بدء اغترارك بذاتك،  ينتفض ذلك الساكن إحدى غرف قلبهايتربع متأهبا فاتحا عيني الذئب باتساعهما، ومن خلال لحمها الشفيف يقذف ناره بكيانك، بوجودك، يرتج عليك، ترشَح عرقا باردا، ملحا، تحاول جاهدا إغلاق عينيك، إيقاف الرحى الدائرة بعقلك، فلا تستطيع لذلك سبيلا. تفقد القدرة.. تخور قواك، ترتعش عظامك، مذعورا تهب عاريا … … …  وتسوح (5) في الأرض مجذوبا … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … والنفاثات قد استحكمت، تمكنت من عُقَدِك، لأنك على غير ما نُهيت لم تَسْتَعِذ من شرها، لم تتبع الإشارات، تغافلت. يسقط الشعر منك، تصير أملسَ كصبي حليق الرأس لم يتجاوز الحلم، كدابة أصابها الجرب… وتُطلى بالقار (6) … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … وسوف لا تعرف سر جهلك المقيم، المتحكم بك المُقيد لأفعالك، لن تدرك كُنْهَه، ستردد حكمتي بلسان غافل لا يعي : الهواء مَهلَكةُ الأسماك يُفسد لحمها الطري، يَنْتَن، والماء فيه غَرَقُ ابن آدم، يطفو على صفحته وتنتفخ جثته. سترددها كل مطلع شمس، وعند حلول كل ظلام، وخلال سباتك الطويل وعند ….. يجذبك التناقض دون أن تعي فحوى الرسالة دون أن تدرك جلال الألفاظ وسر حكمتها … … … … … … … … … … … … … … … … … … أنثاك ستخرج نافضة عريها، مهملة رغبتها، تطل برأسها من فرجة الباب، يقطر شعرها ماءَ حموم أو عرق رغبة، وستنزع من كتاب حكاياتها صفحاتك … … … … … … ويتعقبك غريمك الأبدي قافزا من خلالها، عابرا الدروب إلى تجويف صدرك، يمارس لعبة التأرجح بين ضلوعك يقضي نهاراته عند التحامها، يقتات بما تبقى في زواياك من فرح، يهده الإرهاق ويتمكن منه التعب، مستغلا تجاويفك وبعض عظامك ينصب خيمته ويقيم(7)  … … … … … … …. … … … حينها تكون قد أتممت عامك الـ ……(8) والعشرين، عند بدء حلول عام المجاعة، يتناول ذوو … …. (9)  البيضاء وجبة سعادتهم اليومية من خلال جسدك، وجبة افتخارهم بسطوتهم، يتناوبون تجريسك، ساخ في الأرض كل ما ملكت من مال وسطوة، لا تملك كفاك ما ترشوهم به، لا تملك حق حجب الضربات عن جسدك، لن تملك حينئذ أن تستغيث (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل…)(10)  يقذفونك بإحدى الخرابات، يبول أحدهم عليك مفاخرا بحجم رجولته - والعام عام خنوثة وعقم وجوع - يزحفون كعادتهم في التسلل كالأفاعي، ينسلون لدورهم، يتوسدون صدور نسائهم المكتنزة … … … … … … وجل ما يفعلون يملئون البطون … … … … … … … … … … … … وحيث لا مأوى ستفرد عظامك وتريح رأسك على ألمك الدفين … … … … … … … … … … ….. … … … … … … … … … … … … … … … …… … …  (11)   وتنهرك الأيدي، ويشيح البعض بوجهه عنك، رغم اسوداد الوجوه من الجوع وبروز العظمات، يزهق الجوع أرواح العباد، تتجاور جثث الخلق بالزوايا، ولن تبتئس، لن تحزن، ولن تعبس بوجه أحدهم، فهم منذ بدء الأمر خيار الناس وأطيب أهل زمانك(12)  … … … … … … لن يسد أحدهم رمقك، لن يُشبع جوعك، لن تُروَى بقطرة ماء، والعام عام قيظ وجفاف وملوحة، العام عام موت، جف النهر وتشقق في قاعه الطين … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … الأرض، ويمتلأ فراغ السماوات بطير حديدي يقذِفُ من شاهق ما قٌدّر لبعض الخلق من أطعمة وأشربة، ينفجر بعضها قبل ملامسة أديم الأرض، وتبدأ الإشارات .. تنهمر العلامات … … … … … … … … … وعند الأولى سيكون قدر الله قد حان، انطلق السهم مغادرا قوسه، تم المكتوب، حل الأجل، جاءت رحمة ربك، ستكون تجاوزت الأربعين … … … … … … تَدِق عظامك وتَرِق روحك، تشف، وتفتح السماء بواباتها … ويعود رهط الملائكة، يحمل أحدهم روحك، واثنان آخران يحملان في ثنايا أجنحتهم بقاياك الموزعة على ألف ألف وعاء من صلصال … … ولن يلتفت أحدهم إليه، ذلك الوعاء الخشبي المهترء(13) ، الذي تركت بقاعه بعض صفحات صفراء ممزقة من كتاب النبوءات.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تبدأ الأوراق التي بين يديّ عند منتصف الورقة الخامسة، حيث فُقدت الأربع ورقات الأولى، وتآكل أول الخامسة.
(2) الكلمات المميزة باللون الأسود كتبت في الأصل بخط كبير وبحبر أحمر داكن تحول مع الزمن إلى لون بني، لكن الاختلاف ما زال ملحوظا.
(3) الأسطر الطويلة المنقوطة علامة على فقد أجزاء من الصفحات أو تآكلها، ولا يوجد نص آخر للمقارنة والتحقق.
(4) أغلب الظن أن الغريم هنا رمز لعشيق تعرفه الأنثى، أو أنه سيراها مع من تعشق في وضع مخل لذا لم يكتب إلا رمزا.. وعلى أحسن الفروض قد يكون الغريم هنا هو تجاهلها له، عدم عشقها له، والحالات الثلاثة واردة شائعة الحدوث.
(5) هكذا بالأصل والصحيح : تسيح من ساح سياحة.
(6) إشارة إلى سورة الفلق، وبالرجوع للتفاسير وجدت تفسيرا حديثا ترجحه كلمات النص، التفسير يشير إلى نفث الأمراض الخبيثة في عُقد الإنسان، يؤكد النص هذا التفسير ويميل ناحيته، حيث يشير لتساقط الشعر، لا أعرف هل هو تنبؤ بالعلاج الذي يُسقط الشعر؟ فأنا لا أعرف تاريخا محددا لبدء العلاج الكيماوي في محاربة المرض اللعين.
(7) هذه الفقرة ترجح الاحتمال الثاني لمعنى الغريم، الغريم الخائن قد يكون أحد المعارف، الأقرباء الذين لا يستطيع التنصل من معرفتهم، لذلك أشار إلى أنه سكن ضلوعه ولم يستطع إخراجه.
(8) مطموسة غير واضحة وأظنها (الثامن والعشرين) حيث بدأت المجاعة تاريخيا.
(9) مطموسة أيضا، قد تكون (السترات) أو (الأردية) رمز السلطة، أو تكون (الوجوه) دلالة على اليسر والوجاهة والغنى، ولا أرجّح (الياقات) حيث لم يكن قد ظهر بعد مصطلح (الياقات البيضاء)، والراجح عندي (الأردية) لأن السلطة هي وحدها القادرة على التجريس والتعذيب.
(10) الآية رقم 29 من سورة الكهف، وتمامها : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً).
(11) صفحة كاملة مفقودة.
(12) النص ملتبس، غير واضح، كيف تنهره الأيادي التي يصفها بأنها أيدي خيار الناس، قد يكون فك اللبس بالسطر المفقود، أو هم خيار الناس كما شاع للعامة الغافلين عن حقيقتهم، وهم بالنسبة له الشر المجسد وكتبها هكذا إما لسطوتهم أو للتندر والسخرية.
(13) لم أستدل لهذا الوعاء على أثر، اقتفاءً لخبره طفت بمن بقي من أعمام وكبار عائلة ولم يسمع عنه أحد شيئا، كانت الأوراق بحافظة ورقية سميكة بدرج مهمل وسط أوراق أبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق