الخميس، 27 مايو 2010

إنبات (قصة قصيرة)

- عايز أروح الأر ض
- ا ستني لما عاطف يرجع ياخدك معاه.
- ما تقلقش يا عمي الدنيا هنا ما تتوهش.
خرجت وحدي - بعد أن انتبهت جيدا لشرحهم أين توجد الأر ض - زيارتي الأولى للحقول.. الاتساع والهواء الذي يشعرك بأن لك رئتين تحملهما في صدرك .. تعجيت من أن شكل الخضار الشاسع حولي وهذا الهدوء جعلاني اكتشف أن لي رئتين و أنف وعينين .. اكتشاف إحسا س جديد لوظائف الجسم رغم أنها تتم بداخلي كل لحظة.
علي رأس الغيط كان يجلس عاطف .. ولما رآني ضحك : معقول عرفت تيجي هنا لوحدك؟ دا مشوار؟ ابتسمت ولم أعلق .. يصغرني بسنوات ويتلذذ بمعاملتي كطفل .. كنت في بداية تعليمي الإعدادي - إلا أني في نظره ابن القاهرة المدلل .. من فئة الأطفال وليس العيال .. وكان يؤكد هذا ملابسي بلونها الفاتح وامتلاء جسدي وحذائي الجديد اللامع.
سرحت عيني مع البراح حولي .. صوت رتيب يأتي من خلفي من بعيد .. كانت آله كبيرة على البعد يرتفع منها جزء ليهبط مصدرا طرقة عالية يرافقها صعود بخار من جزء آخر .. شغلت نفسي بحساب الفرق بين ر ؤية البخار و صوت الطرقة.. التفت لعاطف لأسأله ماذا يعرف عن سرعة الصوت والضوء .. ابتدرني قائلا:
- هاروح أجيب حاجة بسرعة وخليك هنا واهي الأر ض بتتروي لوحدها..
كدت أسأله كيف تروى؟ وفي نفس اللحظة قررت أن أحاول التعلم بعيني ودون سؤال ..
- اوعى بس يطلع لك ديب وللا حاجة .. بس لو شفت تعلب ماتخافش .. زيه زي الكلب ما بيعملش حاجة..
كانت النصيحة الأخيرة حقيقية .. قلت لنفسي : هما هنا ما بيخافوش من الكلاب كمان.
عريشة صغيرة بجوار شجرة .. وكومة تراب بجوارها .. جلست انتظر عاطف .. خلفي مربط جاموستين وبقرة .. ممرات مائية صغيرة بها فتحات ينساب منها الماء ليروى الأر ض.. أكيد هي دي اللي بيسدوها لما الأر ض تتروي.. مش كيميا يعني! جربت أن أكلم نفسي بصوت عالي .. مسكت قطعة من الطين .. إحساسي بطراوتها لم يخف عن يدي ما بها من طاقة .. ووجدت نفسي أفلسف الأمور .. و أفكر كيف أن قطعة الطين هذه تأخذ البذرة الصغيرة وتفجر بها كل هذه الحياة .. لدونة الطين وطاقته الكامنة فجرا بداخلي مشاعر متناقضة من حب الطين وطهارته رغم تحذيرات الأهل من اللعب به .. أخذ الطين في يدي يتحول لشكل رأس البقرة بسمرته اللذيذة .. قلبت برجلي الأر ض باحثا عن عود صغير ارسم به العينين والفم المتسع.
- ا سبوع كمان في المكان دا وابقي شاعر ور سام ومش بعيد ملحن.
تذكرت قصيدة صلاح جاهين (عيون البقر) «واللي يعشق واحدة فيها م البقر يبقى لا مؤاخذة تور » .. انتهيت من إلقاء القصيدة و أنا واقف أمام البقرة أنظر لعينها .. و أكلم الجامو سة بصوت عال:
- ما تزعلي ش بس هي دي اللي حافظها .. (قصاقيص ورق) ما فيهوش حاجة عن الجامو س.
- انت بتكلم نفسك؟
جاءني الصوت من خلفي مباغت .. كيف لم أ شعر باقترابها رغم اكتشافي لحوا سي وهذا الهدوء اللذيذ ...
كانت تحمل منديلا مطويا.. بداخله أرغفة وبعض الطعام لأخيها ..
- أمال الواد عاطف راح فين؟
- مش عارف .. وسكت.
- طول عمره فقري .. أمي دابحة النهاردة وباعتاله نايبه.. بس انت بقى هاترجع معايا تاكل ف البيت..
التفتت بعينيها تفحص المكان .. كان الطريق إلى مجلسنا طويلا .. وباتساع الأفق لم ألمح إنسانا غيرنا.. جلست جواري .. تاركة المنديل باهمال على كومة تراب .. قلت أنا مالي هو أنا اللي هاكل؟ كان الكلام في سري .. وطال بعده الصمت.
حاولت أن أجد أي كلام يقال ليزيح هذا الفراغ اللزج ولم أجد .. كانت كل معلوماتي عن الريف تنحصر في عم حسن الذي ا ستطاع في أحد درو س الكتاب الابتدائي أن ينزع الكرنبة من الأر ض..
- ما قلتليش .. انت كنت بتكلم البقرة بجد؟
ابتسمت ولم أعلق .. هاقول لها إني بقول شعر للبقرة عن عيونها الو ساع؟ هابقى عبيط رسمي.. التقطت رأ س الجامو سة من الأر ض .. قلبتها بيدها با ستغراب وقالت مازحة:
- بص .. حد كان بيحاول يعمل بقرة بس طلعت معاه كده؟
- كده ازاي يعني؟ مالها؟
- شكل لا هو بقرة ولا جامو سة ولا حتى حمار.
غاظني الكلام.. وغاظني أكثر فشل مشروعي النحتي الأول .. ووجدتني اتبرأ منه .. و أرد لها مزحتها ببعض التعالي:
- تلاقي اللي عاملها ما بيشوفش قدامه غير الحيوانات.
لم تلحظ ما رميت إليه .. فاغتظت أكثر .. كنت أحاول بسذاجة طفولية أن أثبت لها مدي ثقافتي أنا القادم من القاهرة ..
- انت تعرف إيه الفرق بين البقرة والثور؟
قلت لنفسي هي دي الثقافة اللي عندك؟؟ .. وحاولت الرد.. فتحت فمي ولم أنطق .. انتبهت للتلميح .. وكيف كانت تدير الحديث ببراعة إلي الجهة التي تريدها .. لمعت عيناها بنظرة متحدية .. ونظرت في عيني مبا شرة .. تلاشت من رأسي الكلمات والقاهرة والجاموستين والبقرة خلفنا .. سحبتني بيد .. وبالأخرى وكأنها ترفعه عن الأر ض لمت جانب جلبابها ليضيق على جسدها مظهرا انحناءاته.. .. ارتعبت أن تلحظ الرعشة التي انتابت نفسي .. أجاهد ألا يرتعش جسدي .. دارت بي حول الثلاثة حيوانات . و أ شارت إليها دون ان تنطق ..
قالت متحدية وناظرة نحوي:
- بس ما فيش هنا تور كنت وريتهولك.
ساقتني بيديها لنجلس والتصقت بي .. وراحت تبحث عن وجه الشبه بيني وبين الحيوان المذكور... المشاعر الطفلة بداخلي تتلاشي .. وتنفجر بدايات الرجولة.. ملمس الطين والطاقة المتفجرة بداخله .. رأيتني بذرة تتفجر منها الخضرة وتنبت الفروع بقوة مختلطة بالطين .. يذوب بفمي طعم ثمار لم أذقها من قبل .. من أي شجرة نبتت لم أعرف ولم يكن يعنيني أن أعرف.. أتوه ولا أعرف أي الطرق أسلك.. فتمسك يدي تدلها على أماكن طرحها .. ثمار تنضج وتكبر كلما أكلت .. أعضاء جسدي تكتشف وظائفها الكامنة بها .. الشفاه والأذرع .. كل عضو يكتشف وظائفه الجديدة بعشق جديد للحياة .. تتشابك الفروع وتوجهها هي حيث تشاء ..تركتني أتلاشي حتي نهايتي ..
استلقت على ظهرها ببسمة لذيذه أنارت وجهها .. جلست ألملم جسدي وروحي الذائبة .. وعاد للهواء صوته الرقيق و ضربت الأر ض بقرة برجلها .... لم تنظر لي وقالت:
- مالك .. انت زعلان؟
يدي تعبث بالطين .. أمسك حجارة صغيرة و ألقيها بعيدا .. ولا أفكر في شيء .. قطعة صغيرة من الطين بيدي .. نظرت فيها .. لم تكن من قبل على شكل أي من الحيوانات .. لا بقرة ولا جاموسة ولا حتي حمار.
- تعرفي تكمليها انتي؟؟
ابتسمت بخبث
- هاخليها تور.
19 - 4 - 2009

حذف حرف العلة ..... قصة قصيرة

على غير العادة أيقظني مؤذن الفجر .. ميكروفونات الصلاة تختلط بأصوات الأتوبيسات المسرعة لتلحق ورديتها الأولى. صوت رواد المقهى ما زال مرتفعا .. الخطوات المكتومة للحاجة صاحبة البيت تنزل السلم لصلاة الفجر بالمسجد القريب.. الخطوات الحادة للكآبة تنغرس بالقلب كإبر رفيعة.. كلما اقتربنا من النهاية زادت التقوى.. أحاول تخيلها في شبابها.. أيام مجدها .. ذكرياتها في الحي.. شبرا البيت والوطن أحتويها وتحتويني حتى النخاع..
قبل أن أجد هذه الشقة لي ولها .. عشت على أطراف القاهرة.. أركب مع أحمد عبد الناصر المقيم بها سيارته الصغيرة في طريق العودة.. أترك أحمد في شارع شبرا وأسير مستنشقا الروح العتيقة للحي القديم وأكمل مشواري اليومي باتجاه التحرير..
نمت ساعتين ورغم ذلك رفعت الغطاء بنشاط غير عادي .. بداية يوم أحسه مختلفا رغم إحساس الكآبة الذي يحاول أن يخنق القلب ولا أعرف السبب.. لم أجهد نفسي في البحث عن الشبشب.. لامست قدماي البلاط البارد خلال فتحات الكليم الواسعة .. كليم بني باهت ممزق كل ما تبقي لي من أشياء والدتي القليلة القديمة .. حرصت على أن يكون معي بحجرة نومي .. أجلس عليه ممددا ساقي كما كانت تفعل رحمها الله..


*   *   *

فتحت لها الباب وابتعدت قليلا .. أحب قفزاتها إلي .. تجري قليلا وقبل أن تلامسني تترك قدميها تحتكان بالأرض بحركة طفولية فاتحة ذراعيها لتعتصرني بشغف .. حضن نذوب فيه ..تخترق رائحتها كل خلايا إحساسي..مزيج لذيذ من رائحة جسدها وعطر خفيف.. كل جزء منها أحفظ رائحته.. الغريب أن أول ما يوقظ اشتياقي تذكري لتلك الروائح.. ألمح باب الشقة مفتوحا .. أسير بها محتضنها أغلق الباب مسندا ظهرها عليه ونحترق...
كالعادة تتحجج بألم أسنانها .. اشتكت من أن التقويم مازال يؤلمها فلا تستطيع الأكل .. قبل أن تأتي أعددت إفطارا متعدد الأصناف .. رغم جوعي لم آكل .. أقنعتني أخيرا بأن أمضغ لها .. وأطعمها كصغار الطيور .. تعجبتِ من اندهاشي .. أشعر ببعض الغرابة إن جاريتها فيما تطلب .. قالت: أكلتك أنت وتستغرب أن آكل من فمك؟! أول الأمر حيرني منطقها .. لكنه العشق. أري نفسي كإناء يغلي بداخله الماء ولا يجد البخار مكانا يتنفس منه حتى جاءت.. تلقاءيتها ومرحها كانا الثقب الذي لولاه لانفجرت.

*   *   *

خطوات نشيطة إلى المطبخ حرصت خلالها ألا أنظر لوجهي في المرآة الموجودة بالطرقة.. هذا الوجه الذي لازمني فوق الأربعين عاما ولم يتغير إلا في الثلاثة أعوام السابق.. أو لم أكن حينها أفكر فيه كما أفكر الآن.. لم أعلم مدي سوء ما وصل إله الوضع إلا حين استفسر مني شاب عن طريق مخاطبني بكلمة (حاج).. أيقنت ساعتها أنني غادرت محطات الأحلام ومحاولات التغيير.. وبدأ منحنى الهبوط.. أجول ببصري بأنحاء الشقة.. أعجز عن تفسير السبب الحقيقي لهجرها.. ما جعلها تقطع ذلك الخيط الحريري .. يرفض العقل أسبابها المعلنة.. لا أريد تعكير صفو اليوم .. لكني رأيت الوجه وجهي يبرز لي من عقلي.. وجه ممتلئ بصلعته اللامعة التي أحاول أن أخفف من تأثيرها علي منظري العام بشعر منكوش على الجانبين... ودائما ذقن غير حليقة غزاها الشعر الأبيض.

*   *   *




في أول لقاء لنا منفردين.. تأخرت ثلث ساعة.. وتحججت بحلاقة ذقني .. أصرت أن أعاهدها ألا أحلقها قبل أي موعد لنا!!!
كما لكل مدينة قلب وميدان رئيسي ... هبه المغربي .. ميدان تحريري .. كل طرقي تؤدي إليها وهي دوما فاتحة ذراعيها لتحتويني... طفلتي المتفجرة .. أمام الكافيتريا الشهيرة بميدان مصطفي محمود انتظرها .. يرن هاتفي فأرد وعيني تبحث عنها .. لا أعرف من أين ستأتي.. على البعد ألمحها مع صديقة لا أعرفها .. تسيران بمحاذاتي أتابعهما أثناء انشغالي بالهاتف .. ترن ضحكتها فأعرف أنها في موقف لا تعرف كيف تتخلص منه .. أخيرا تبتعد رفيقتها وتأتي هي مبتسمة متوهجة ..
- كانت تريد توصيلى.. ولم أدرِ كيف أعتذر لها..
ثم قالت بنفس الابتسامة:
- من؟
أقطب جبيني كأني لا أريد الطرف الثاني أن يسمعها.. وأختم كلامي بالهاتف بصوت عال:
- مع السلامة يا أستاذة
تدس يدها بيني وبين ذراعي وتسألني عن أخبار الأستاذة أختي.. أقترح الجلوس بالكافيتيريا.. تجذبني لنسير معا في الطريق لبيتها بالدقي.. يمضي معها الوقت دون أن أشعر.. تقف بطريقتها الطفولية مستندة على سيارة .. المكان مظلم سور نادي الصيد يمتد خلفنا.. يسيطر الخوف والقلق رغم سنواتي وكل ما اقترفته من آثام... يملأني حيائي الاجتماعي الذي أكرهه وأسحب يدها مبتعدا لمكان آخر مضاء ... أجلسها على مقعد المحطة الخاوية من الناس والمواصلات.. تصر أن تفتح حقيبتي لترى الأعمال الجديدة المطبوعة .. أعشق نظرتها الفاحصة المتأملة الناقدة لأعمالي .. أفرح كطفل عندما تثني على فكرة أو تصميم جديد .. تلمح تفاصيل التفاصيل .. وعندما أتحجج بأن بعض العيوب التي تلتقطها سببها طلبات العميل .. ترمقني بنظرة أمومية حانية لا تخلو من لوم.

*   *   *

أضع الكنكة على البوتاجاز, وأشعل سيجارة وبنفس العود أشعل البوتاجاز.. دقائق قلية مملة أمني نفسي فيها بقهوة مصنوعة باحتراف.. متعة من متعي القليلة هذه الساعة الصباحية مع القهوة والسيجارة.. أتذكر تحذيرات أمي المتكررة ودعاءها بأن أكره التدخين.. أعلم أنها متعتي الوحيدة وأوقن أيضا أنها ستكون سبب موتي قبل الأوان... وأدعو الله أن يكون موتا سريعا بدون تفصيلات العلاج المملة.. الأكواب مبعثرة منتشرة بكل مكان وأعقاب السجائر مرشوقة ببقايا التفل.. بقايا سهرتي وحيدا بالأمس .. عيناي على القهوة حتى لا تفور .. أبحث عن الكوب الزجاجي الصغير بينها فلا أجده. أخيرا وجدته جوار رجل الترابيزة بالصالة .. يأتيني صوت فوران القهوة من المطبخ معلنا أنني سأقف من جديد تلك الدقائق المملة .. رن صوت أمي داخلي بمثلين متناقضين : «دلق القهوة خير», «دلقوا القهوة من عماهم وقالوا الخير جاهم» .. رحمها الله كم حيرتني بما يحمل تراثها الشعبي من تناقضات... رفعت الكنكة من على النار ووضعتها بالحوض .. وأسندت رأس على يدي ومرفقي على الرخامة...(لابد للشاعر من نخب جديد وأناشيد جديدة).



*   *   *

ترهقني بسنينها التي تجاوزت العشرين بقليل.. أتركها تجول كما تشاء.. تحمل رسالة إسعادي أو إنعاشي إن شئت الدقة.. بعد الانتهاء تمنيت أن أنام في دفء وجودها.. مر عام على الزواج ولم نحظ بمتعة النوم ليلا أو نهارا معا.. غفوت لدقائق لا تزيد على العشرة..جلسنا على البلاط.. ظهرنا للحائط لتمتد الكلمات خيطا ناعما من الدفء الودود .. تسند رأسها علىّ.. ليس من عادتها البوح بما يسعدها.. فقط تسألني عن سعادتي.. لكنها حكت عن شعورها في تلك الدقائق العشر ماذا تكون الجنة إن لم تكن هذه اللحظات! وتعود أصابعها بحركاتها الصبيانية لتجول ماسحة جسدي .. لا أجد ما أقوله..أضحك مبينا عدم استطاعتي المعاودة ثانية.. بحركة من كفي وشفتي أتساءل كيف؟ تضحك بهيستريا وتقلد حركة يدي وأنا أتكلم.. لتصبح هذه الحركة مفتاحا للضحك في كل الأوقات.. لم تقلقني صراحتي.. لكن تقبلها لتعبي وعدم قدرتي على الاستمرار هو ما أثار دهشتي..
في اليوم التالي أتت ببعض الطعام .. مكرونة وفرخة مشوية .. المكرونة غارقة في بحر من الزيت ذي اللون الأحمر .. أخيرا وجدت ما أداعبها به حين تكرر مزحتها بتقليد حركة اليد.. صارت سعيدة بعشنا المؤقت الصغير... كل لحظة أشعر بدوام البيت ورسوخه بقلبها .. معها لا تهم التفاصيل الصغيرة .. معها أحب الله والناس .. الحياة بمتعتها وهمومها تختصر في عدة ساعات نعيشها معا.. كل لقاء أعيشه كأنه الأول .. أزيل الإيشارب فألاحظ التفاف حمالات المايوه خلف رقبتها .. لون مختلف .. أعشق تفكيرها فيما أحب من ألوان وموديلات.. تبحث عن الجديد في كل لقاء.. مفاجأة جديدة.. الغريب أني أتوقع ما ستفعله وترتديه.. رن الهاتف وطلب أخي رؤيتي حالا.. بصوته رنة غريبة لا أسمعها إلا في أوقات قليلة إما مرض أحد أو وفاته.. إذا هي دعوة صغيرة من أخي لحضور عزاء.. لم تبد غاضبة وكأننا قضيا شهرا معا ..تبخرما أستعد له من متعة.. ولم أعش لحظة المفاجأة بما جهزته.. استحثتني للخروج لأقابل أخي دون لحظة تأفف..!!

*   *   *



أطمأن على نقودي بجيب الجاكيت.. ألتقط البنطلون الجينز الأسود هو الوحيد الذي سيتحمل مشواري.. قمصان بدون كي في حقيبتي الصغيرة.. الشوارع في قمة استيقاظها .. ساعة عودة الورديات الليلة وخروج آخرين لبدء مشوارهم اليومي.. متي انتشرت هذه الفوضى في الميدان؟ أوراق متناثرة وأكواب بلاستيكية فارغة تحت المقاعد.. لم أعتد هذا الزخم الصباحي .. ألقيت بنفسي بأول ميكروباص متجه لرمسيس .. حتي رمسيس الشامخ بوقفته بميدانه لن أراه هناك.. انتقل ولم يبق للميدان سوي الاسم..


*   *   *


أول معرفتي بها جاءت مع صديقة تطلب تصميما لمشروع خاص بصاحبتها.. تكبرها صديقتها بعام, هي من ناقشني وكأنها صاحبة المشروع .. شرحها لموضوعه وما تريد أن تظهره جليا .. والطرح الشيق البسيط للفكرة .. تتمنى أن أبتكر لها شيئا مبهرا لم يرَ من قبل.. وتحاول أن تفجر بداخلي رؤيتها .. طمأنتها .. ما تعنيه تماما أشعر به ووصلني.. تساءلت ببعض الشك عن خبرتي بالعمل في مشاريع الكلية.. ضحكت وطمأنتها..
جاءت لتتسلم التصميم قبل الموعد بيوم.. وبدون صاحبة المشروع الأصلية.. فرحتها بالتصميم أشعرتني بأنها احتضنتني.
حينما أفكر في ترك هذا العمل بكل ما يحويه من تفاصيل كثيرة وقلق في كل مرحلة .. وكم الشد العصبي به وما لم أحققه بمجالي هذا.. تقول لي لولاه ما تعرفت بك .. أحاول إغراءها بصورة لقرية صغيرة ترقد في حضن جبل بالصعيد.. تمتد أمامها حقول خضراء.. نعمل أشياء بسيطة تكفينا مؤونة الطعام والشراب لنعيش ما بقي من أيام في هدوء..روحها المقاتلة لم توافق أفكاري المستسلمة .

*   *   *

حاولت تفادي جسد البنت على طرف المقعد.. جلست بينها وبين الراكب على شمالي جوار الشباك.. أقلقني بروز فخذها من البنطلون الجينز الضيق.. بلوزة صفراء ملتصقة بها تبين تفاصيل ملابسها الداخلية رغم حجابها! كانت في سن هبة تقريبا رغم الاختلاف البعيد في الهيئة.. تذكري هبة وهدوء الطريق أضفى لمسة من الإنسانية على وجوه الركاب.. امتدت أصابع السائق تعبث بالراديو ولما لم يجد ما يبحث عنه وضع شريط كاسيت وانساب صوت المقرئ الهادئ ليكمل لوحة السكينة...

*   *   *

الوحدة الطويلة علمتني ألا أتحدث كثيرا .. من أين لي كلمات لم يقلها أحد من قبل .. كل الحروف فقدت طزاجتها ومعناها بكثرة التكرار.. إلا مع هبة .. طعم الحروف متفجر .. كنت أتذوق للكلمات طعما لم أحسه من قبل.
«كنت أريده دومًا نَمِر .. فيجيء دومًا محضَ قِط» (نجيب سرور)
محاولاتها الضعيفة في كتابة الشعر.. ومحاولاتي المستميتة لتدريبها.. يوميا أرسل لها قصيدة لأمل دنقل أو صلاح عبد الصبور .. حواراتي معها برباعيات جاهين.. دون أن يطرأ أي تغير على طريقة كتابتها.. لا أستطيع إنكار قوة إحاسيسها .. وتحب أن تصف نفسها بكتلة مشاعر متحركة ولا أرى هذا كافيا للإبداع الشعري.. حين أرسلت لها قصيدة الطيور لأمل دنقل فاجأني في الصباح التالي صوتها يغني بالهاتف.. سعادتها بالقصيدة التي ألقاها عليهم الدكتور في محاضرة اليوم تفوق فرحتي بصوتها.. تحاول توصيل فرحتها بالقصيدة وإحساسها بأني من يلقيها عليها وليس الدكتور المحاضر.. بحثت عن القصيدة بصوت الشاعر على النت .. وأرسلتها في حينها.. صار الاندهاش روتينا يوميا لنا..
في سفرها الصيفي للساحل الشمالي نفضل المحادثة كتابة عبر الإنترنت على الكلام عبر الهاتف.. الدهشة لأننا بنفس الوقت نكتب نفس الكلمات بحذافيرها.. نفس كلمات العشق.. الأسئلة الإجابات.. نفس الحروف حتى المسافات الفارغة حين يعصرنا الشوق هي نفس المسافات.. البداية دهشة .. وصار أسلوبنا في الدهشة .. ألا نندهش.


*   *   *

في اندماجي مع صوت الشيخ المنساب .. (ألهاكم التكاثر.. ألهاكم التكاثر.. ألهاكم التكاثر).. فتحت الراكبة جواري حقيبتها وراحت تعبث بمحتوياتها حتي أخرجت خمسة جنيهات ورقية.. ناولتني إياها رغم كونها الأقرب للولد الجالس جوار الباب يجمع الأجرة.. التناقض بين هيئتها بجسدها المتفجر وبين كسوفها من دفع الأجرة للولد مباشرة.. حاولت أن أذوب في إحساس السكينة الذي بدأ يتلاشي .. وأتناسى هذه التفصيلات الصغيرة ليعود.


*   *   *





عام مر.. لم أرها خلاله.. أصر على الاطمئنان عليها فلا تملك إلا الموافقة .. على باب المطعم النيلي لم أحاول أن أمسك يدها ..خوفي من استيقاظ الجرح.. تعمدت السير خلفها متفحصا جسدها .. فقدت الكثير من الوزن .. الجيب السوداء أشيك كثيرا مما اعتدت عليه .. ملابسها دوما بسيطة متأنقة .. رؤيتها لم تحرك إلا ما استقر بقلبي من ألم لبعدها ... شعرت بها ابنتي المدهشة التي أريد أن أحتويها بحنان أبوي.. يهتز المكان مع موجات مركب عابر.. أمسكت كوب الشيكولاته الساخنة .. قلب داكن مرسوم بالشيكولاته الخام على الرغوة الوفيرة البيضاء.. القلب على كوبي مرسوم بتناسق منساب برقة.. وعندها أطرافه مهتزة مشوشة .. ضحكت معاتبة الجرسون فاعتذر بأدب وانصرف.. حتى الشيكولاته تعرف كيف تدلى برأيها فيمن يشربها. باغتتني بالسؤال عما بقي في رأسي من مواقفنا معا .. رأت صمتي ورأتنا معا نضحك وأنا أقبل جسدها .. ورأتني مركزا بشفتي على وردة صغيرة أسفل بطنها رسمت معها أول حرفين من اسمينا.. ورأت نفسها تحتضن قدمي وتقبلها بعشق.. رأت شفاهنا متلاصقة وأنا أطعمها.. كل ذلك رأته لحظة سؤالها.. فأسرعت : أقول لك .. لا تجب.. من دون كلمة وصلتها ردودي كلها.


*   *   *



طالت وقفتي أمام شباك التذاكر.. صف صغير يتحرك ببطء.. لم أشعر بلحظة ملل .. قارب الحلم على التحقق ... أغلب الواقفين تبدو عليهم علامات الطيبة ببشرتهم الداكنة..لا أحد يتذمر من طول الصف أو دخول رجل عجوز يطلب تذكرة متجاهلا الصف.. يفسحون له طريقا بين أجسادهم المتلاصقة ليعبر.. الحديث الدائر عن شراء التذاكر وصعوبته.. لا يكون بهذه السهولة في أيام الأعياد والمواسم.. مددت يدي للموظف الجالس كالسجين خلف الزجاج.. ارتعشت يدي وأنا أمسك التذكرة! جواز مروري لأيام مجهولة قادمة.. السيجارة تلفظ أنفاسها الأخيرة.. إغراء الصحف والمجلات لم يجذبني .. نائما سأقضي ساعات الطريق .. اشتريت علبة سجائر جديدة دسستها بجيبي.. وزجاجة مياه شربت أغلبها قبل أن أتحرك..جلست على أقرب مقعد, حركة المسافرين حولي تفصلني أكثر عن الزمن.. ضاعف الزحام وحدتي... أخرجت الهاتف وكتبت : لماذا لا أستطيع إخراجك من دمي؟ أتلفت حياتي .. لن أقدر على العشق بعدك.. قرأت الرسالة أكثر من مرة.. وبعد سيجارتين كاملتين ضغطت زر الإرسال.. تحركت ببطء أوقفت أول القادمين نحوي وسط زحام الرصيف لأسأله: أين رصيف قطار أسوان؟.



سيس


قريت بحث لذيذ قوي ع النت عن شباب عايزين يدخلوا
حرف جديد علي اللغة العربية ألا وهو حرف الـ (سيس) مواكب للتطورالحادث على صعيد الروشنة على أن يوضع بين حرفي السين والشين.. وتكون صورته كالتالي س عليها نقطة واحد للتفرقة بينه وبين السين والشين..
أخيرا.. اخترعنا حاجة جديدة وعاشت أبو الليف حرة مستقلة

عاطف

امبارح كان أحمد عاطف بيدور علي محاضرات تنمية بشرة ع النت .. ويالهول كمية الأسماء اللي طلعت له .. بحر من دكاترة التنمية البشرية... لقيته بيقول لي : لو كل دول دكاترة .. أمال مين اللي هايتعالج.


عن الريس متقال وتمورة

البت بيضا بيضا بيضا .. البت بيضا وأنا أعمل إيه.. يا ربنا سامعين االوعة اللي بيتكلم بيها.. تحس انه جمع فأوجز.. كمية الذهول والصدمة والشلل التام تجاه جمال المعشوقة وحسنها .. مش عارف يعمل حاجة.. تنح.. هننج.. أقول لكم إيه تاني دي البنت بيضا وبس...
وللا الملك منير لما يغني من الفولكلور: نعناع الجنينة المسقي في حيضانه.. شجر الموز طرح ضلل على عيدانه.. شايف الشاعر المجهول ازاي بيتكلم عن حاجات حسية من غير ما يقول وللا كلمة خارجة.. خلا البنات ورق نعناع جميل ضعيف مستكين ف الحوض اللي مزروع فيه وورق الموز العريض ضليلة تحمي البنات بكل رجولة وعشق .. مع ما للموز من شكل موحي بالذكورة والمرجلة..
كنت عايز أكتب أمثلة عن الاسفاف من عينة خليها تاكلك.. بس لقيت إنه حرام أرش ع الورد كولونيا خمس خمسات

التغيير يبدأ من التيشيرت

طبعا من العنوان شكلى بهزر.. لأن أكتر حاجة نعرفها إحنا المصريين عن التغيير هي تغيير الهدوم .. بذمتك غيرت حاجة غير هدومك بقالك كام سنة.
بس أنا بقي مش بهزر وبتكلم جد.. والتي شيرت اللي بتكلم عليه هنا هو تيشيرت ابني .. ولون أوضته وشكل المكتب اللي بيذاكر عليه..
يبقي عايز يلبس الأسود نقول له لأ البرتقاني أشيك وعمتك ما شافتكش من زمان لازم تبقي شيك.. شيك من وجهة نظر مين؟
تبقي بتحب اللون البمبي تدهن له أوضته بمبي.. وتبقي عيشته بمبي لو فتح بقه وقال مش عاجبني اللون... وهكذا يطلع الواد نسخة صغيرة مننا.. يفضل يأجل ف أحلامه لحد ما يكبر ويبقاله بيت ويبدأ يمارس ديكتاتوريته ويدهن الأوضه باللون اللي بيحبه ويتفلقوا ولاده .. ما فيش رأى ورأي آخر... وبنرجع نستغرب إن ما فيش تغيير ف حياتنا..


الأربعاء، 26 مايو 2010

في انتظار أول الشهر

ما قلتش في الشخبطة اللي فاتت ايه اللي عملته ف موضوع السجاير.. بيقول لك المدخن لما يفلس يدور ف الادراج القديمة وتحت السرير وتحت شلتة كنبة الصالون.. المفاجأة إني وجدتها.. كيس أحمر ملفوف بشياكة مدفوس ف بطن الدرج .. كيس أمفورا من النوع الفخم ومعاه البايب وعدة الشغل كلها... ياااااااااااااه.. البايب الأبيض ينفع ف اليوم الاسود..
كالعادة مع موضوع التدخين بدأ المخ يشتغل.. طيب ما هو مش هاينفع أمشي ف الشارع ماسك بايب.. شكلها غريب ومستفز... ومين قال لك اشرب ف الشارع انت قبل ما تخرج تشرب لك جرعة محترمة تكفيك طول الطريق.. وأهو أوفر ..ويا سلام بقى علي شكلك ف الشغل.. الباشا جاي والباشا راح.. واللي يقول هما بيصوروا فيلم أيام السادات تاني.. بس لسه حسبة التبغ بكام وهايقعد كام يوم والمواضيع دي لما انزل وسط البلد أجيب مخزون الشهر.. طبعا هايبقي أول الشهر..


سيكولوجية المدخن


الخميس اللي فات سمعت إشاعة إن السجاير هاتغلي.. بالذات الأجنبي.. هاتغلى قد ايه؟ قال لك 40% .. وأنا لمن لا يعلم مدخن من العيار التخين .. قلت حلو.. كده الليلة باظت... أول حاجة تيجي ف دماغ أي حد عاقل إنه يبطلها.. دا لو افترضنا إن بعد كل اللي بيحصل ده هايفضل فيه حد عاقل..
أنا قلت أحسبها.. بشرب نوع لاهو أجنبي قوي ولا حقير قوي .. يعني من أبو خمسة جنيه.. وبعمل لي ف الليلة حوالي علبة ونص يعني بتاع سبعة تمانية جنيه.. في ثلاتين .. حاجة كده مابين الميتين والميتين وخمسين جنيها مصريا شهريا.. بعد الزيادة يدخلوا ف الربعماية..
هي ليه كلمة الزيادة دي على طول تيجي ف الأسعار وما بتجيش ف المرتبات ...
طبعا هلاقي اللي بيقول لي يعني انت بتتكلم ع السجاير.. خلاص مشاكل العيش والسكن والمواصلات والبنزين وكل القلق ده خلص وهتتكلم ع السجاير.. ومش كل الناس بتدخن يا عم بلا قرف.. طبعا هايبقى معاه حق بس هايكون أغفل نقطة مهمة جدا ألا وهي سيكولوجية المدخن.. مين؟ أيوه سيكولوجية المدخن
بالبحث في هذا الموضوع لقيت إنك لو إنسان عادي حتى لو بتموت من الجوع مستحيل تشوف حد معاه ساندوتش وبياكل تقول له والنبي هات حتة..
إنما عادي جدا تبقى ماشي تلاقي حد محترم جدا بيقول لك ممكن سيجارة لو سمحت! ولا بريستيجه يتهز ولا يوجعه وللا أي حاجة.. ياعم بلاش يطلب.. لو حد أول مرة تشوفه وعزمت عليه بسيجارة وللا علبة حتى ياخدها عادي جدا.. إنما لو بيموت م الجوع وللا العطش استحالة ياخد منك لقمة..
وللا تكتشف فجأة ف نص الليل إن العيش خلص وحد م اللي انت عايش معاهم عايز يآكل.. خلاص بقى الافران قفلت وهجيب لكم منين وكده..
إنما تبقى ليلة سودة لو فجأة السجاير عملتها معاك واستهبلت وخلصت.. تلاقي المدخن بيلف البيت كله يمكن ناسي سيجارة هنا وللا هنا.. والبناطيل القديمة تطلع من الغسالة وتتفتش.. طيب يمكن فيه واحدة ورا كنبة الصالون اللي بتبلع كل حاجة تحت الشلت..
يبدأ العقل يشتغل – العقل ده اللي ما بيصحاش أساسا لا واحنا ف الشغل ولا حتى ف علاقاتنا الحياتية والعاطفية – المهم اشتغل العقل عشان يفكر مين يبقى فاتح دلوقتي الساعة 2 الفجر.. لو ف آخر الدنيا هاينزل.. ما فيش هدوم مكوية.. يكوي.. مافيش بنزين ف العربية يتمشى واهي رياضة..
يا مؤمن دا انت ممكن ما تنزلش مشوار مهم جدا لحياتك عشان القميص اللي انت عايزه ماجاش من عند المكوجي.. اللي بيستهبل ومأخر الهدوم وما عندوش ضمير!!!
انتماء للسجاير يكاد يصل لسلوك العبيد
ياسلام لو نتعامل مع الدنيا كأننا مدخنين وما الدنيا إلا علبة سجاير كبيرة



كوباية شاي مع عم مغرز

الثلاثاء 25 مايو 2010


بعد ما رجعت من الشركة وطلعت عيني ف الطريق قلت آكل وافتح اللاب توب أتفرج لي علي فيلم جديد دورت علي عيش ما لقيتش قلت أنزل أجيب أي حاجة آكلها .. وياريتني ما نزلت .. لقيت عم مغرز - مش عارف اسمه ده جه منين - قاعد كأنه مستنيني وبعد السلام و..
- والنبي لتشرفنا وتشرب معايا كوباية شاي يا باشا.
- عليه الصلاة والسلام يا عم مغرز .. والله لسه راجع م الشغل وتعبان .. هاشترى شوية حاجات من ع الناصية ف السريع وأطلع.
ولا كإني قلت حاجة.. سحب كرسي وحطه فوق الرصيف وطلب لي كوباية شاي .. وبدأ..
- مش عارف الدنيا جرى فيها إيه؟ وليه البني أدم أول ما يقعد على كرسى المعلم يبقى كده..
- كده ازاي يعني؟
- كده زي المعلم بتاعنا - يقصد صاحب المحل - عايش ف دور رئيس الجمهورية .. دا حتى رئيس الجمهورية بيجيله يوم ويمشي .. بمزاجه بقى وللا بإرادة ربنا. المهم بيمشي.. إنما ده تقولش ما حدش فتح محل مكوة غيره!! يالله أهي أرزاق مقسمها الخلاق.. اللي مش فاهمه هوه ليه بيشتغل بإيده مع إننا كتيييير ما شاء الله .. أكتر من أربع صنايعية.. وماحدش فينا عاجبه..
- ايه اللي مضايقك بس يا عمنا يمكن الراجل خايف ينسي الشغل.
- ينسي ايه يا باشا هو احنا شغالين ف معمل.. دا انت لو قعدت ميت سنة ما تكويش هاترجع تشتغل وانت مغمض.. المهم الذمة في الشغل .. عندك أنا لو رجعت أشتغل تاني وربنا ما هتلاقي ف نضافة شغلي.
- الله هو انت مش شغال يا عم مغرز وللا إيه؟
- شغال يا باشا بس مش ف الكوي .. شغلتي أنا بقي دلوقت زي ما سعادتك عارف إني أكيس .. أحط الشغل ف الاكياس يعني.. ويا سلام بقي لو قميص من دول راح للزبون وفيه حتة مكرمشة.. تخرب الدنيا والريس يبص لي بصة كإني قتلت أبوه .. يا سيدنا مش أنا اللي كاويه .. شوف الصنايعية اللي عندك وقول لهم يراعو ربنا ف أكل عيشهم.. لكن لا حياة لمن تجائر.. دايما اللي يكلمه يطلعه بيجائر.. تاخد وتدي معاه ف الكلام إزاي بقى؟ وياخراب بيتي وبيت الواد اللي وصل الشغل للزبون.. يا سيدنا هات صنايعية عدلة.. أبقى أنا طبعا اللي غلطان عشان ما بشوفش.. هو صحيح ساعات أنا اللي بغلط ف موضوع التكييس ده بس قولي أعمل إيه .. ببص ع الزراير والتطبيق والياقة عدلة وللا لأ وللا لو زرار موجود بس مش مقفول ولابس ف العروة صح.. طبعا لي حق بعد كل ده أنسى ساعات أبص عدل علي الإكياس نفسها.. ألاقيه بيزغر لي: شفت آدي المكوة زي الفل وانت اللي مش عارف تشوف شغلك!!!
الشاي لسه ما جاش ولو قمت هابقى سبته وماعبرتوش .. مش عارف أطلع من مغرز عم مغرز ده ازاي.
- ولا يهمك يا عمنا كل شغل فيه قرفه.. هي الدنيا كده
- ايو بس مش كده يا جدع .. لا مؤاخذه يا باشا ما سيادتك جدع برضه.. بس الواحد جنابه هاتفرقع م الغيظ والمحلسة بتاعة الصنايعية الغم دول تصدق بمين.. لا إله إلا الله.. النهارده ع العصر كده الكهربا قطعت.. عادي يعني بتحصل في أحسن الأحياء والأموات كمان.. حلوة الأحياء والأموات دي يا بيه .. طب والله بتحصل علي طول .. مش بتحصل دي عندكم ف الشركة يا باشا؟
- بتحصل يا عم الرغاي.. طبعا النص الأخير من الجملة قلته في سري.
- المهم سألنا قالوا لنا هاتيجي بعد ساعتين .. اللي نقطني لقيت لك أكبر صنايعي عندنا.. التوبّ الكبير بتاعنا بكل بساطة لقيته قلب وشه كأن أمه ماتت وقال : طيب افرض دلوقت الاسطي بعت لنا شغل لزبون مهم! هانعمل ايه في المغرز ده؟ كنت لسه هانفجر ف وشه واقول له واحنا ذنبنا ايه يا عم واحنا مال أبونا؟ لقيت لك كل الصنايعية ف نفس واحد بيقولوله صحيح دا مغرز كبير.. هانعمل ايه دلوقت؟ شفت الخيبة.. كأن أمهم اللي قطعت الكهربا!
قول لي يا باشا أنا اللي عبيط ومش فاهم وللا كل الدنيا بقت كده.. وللا كلهم كده وأنا اللي كنت مش عايش العشرين سنة اللي فاتوا؟
مش عارف أقول لكم صدمتي كانت قد ايه من كلامه .. مش عشانه رغاي وللا بيتكلم ف حاجة هايفة.. عشان اللي بيقوله حصل النهاردة - تبك الأسل - ف الشغل!!!!..